د. محمود منصور يكتب لـ ICTBusiness: الذكاء الاصطناعي مفتاحك لوظائف المستقبل

الإنسان دائمًا يخشى التغيير، كل قفزة تكنولوجية تثير قلق الأغلبية: هل ستأخذ الآلة مواقعهم؟ هل تصبح قدراتهم لا تتناسب مع العصر؟ الحقيقة، التي تثبتها الأيام أن من يواكب التغيير يضمن موقعه في المستقبل.. والآن، مع اتساع نطاق الذكاء الاصطناعي (AI)، فأنا وأنت أمام لحظة فارقة.
لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا أو مجرد وسيلة لتحسين بعض العمليات، بل أصبح المحرك الرئيسي لعصر جديد يعيد تشكيل سوق العمل بعمق غير مسبوق.. تقرير البنك الدولي في يناير 2024 كان واضحًا: 40% من الوظائف ستتأثر خلال خمس سنوات. هذه ليست مجرد أرقام، بل خريطة جديدة لمستقبل المهن.
إذن، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في الأبحاث والمختبرات، بل أصبح القوة المحركة لتحولات اقتصادية واجتماعية جذرية تمتد إلى مختلف القطاعات والمهن، لكن النسبة التى ذكرها التقرير تختلف بين القطاعات.
التوقعات تحذر الوظائف الإدارية والتصنيعية بدرجة أكبر من الوظائف الإبداعية والتقنية.. هذه ليست مجرد إحصائية، بل مؤشر على تحول يفرض واقعًا جديدًا يتطلب استعدادًا وتأقلمًا سريعًا.
يتزامن الحديث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل غالبًا مع القلق من فقدان الوظائف، خاصة مع تصاعد الأتمتة التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.. عندما تطلب طعامك عبر تطبيق ذكي، أو تتلقى ردودًا تلقائية من خدمة العملاء، أو حتى عندما تُصنَّف رسائلك الإلكترونية تلقائيًا، فهذه كلها أمثلة على الأتمتة.
أصبحت تشمل عمليات معقدة مثل تشغيل المصانع، وإدارة المخزون، وتشخيص الأمراض، لكنها لم تعد تقتصر على المهام الروتينية، بل أصبحت الآن قادرة على تنفيذ وظائف كانت تتطلب في السابق مهارات بشرية متخصصة.
في المصانع، لم يعد العامل هو المسؤول الوحيد عن تشغيل الآلات، بل هناك أنظمة ذكية تراقب الجودة وتتحكم في خطوط الإنتاج.. في القطاع المالي، تتولى الخوارزميات تنفيذ الصفقات المالية وتحليل الأسواق في أجزاء من الثانية. أما في المجال الطبي، فقد باتت برمجيات تحليل الصور تكتشف الأورام والأمراض بدقة تفوق أحيانًا دقة الأطباء.
يثير هذا التطور جدلًا واسعًا.. البعض يرى فيه تهديدًا لملايين الوظائف، فيما يرى آخرون أنه فرصة لتحسين حياة البشر عبر تحريرهم من المهام الرتيبة وتوجيههم نحو أعمال أكثر إبداعية وتعقيدًا.
وقبل أن تقلق بشأن مستقبله المهني، تذكر أن الشركات تبحث عن محترفين قادرين على استخدام مهارات الذكاء الاصطناعي والتكيف مع تطوراتها المستمرة، وبالتالي فإن تعزيز مهاراتك ستدعم سيرتك الذاتية، وبالتالي، ضمان مستقبل وظيفي واعد.
لكن الواقع يشير إلى أن الأتمتة لا تلغي الوظائف بقدر ما تعيد تشكيلها، حيث تنشأ وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة، مثل تطوير الأنظمة الذكية، ومراقبتها، وصيانتها.. تحدي التكيف مع هذه التغييرات لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يشمل الحكومات والمنظمات.
يفرض عليها أن تطور سياسات لضمان انتقال سلس إلى هذا الواقع الجديد.. تحتاج الدول إلى تحديث نظمها التعليمية، وإعداد برامج لإعادة تأهيل العمال، وتعزيز الابتكار لضمان عدم تفاقم الفجوة الاقتصادية بين الفئات المختلفة.
لم تعد الشركات تبحث فقط عن خريجي الجامعات، بل أصبحت تركز على الأفراد القادرين على التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بمرونة.. أصبحت القدرة على فهم وتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي ميزة تنافسية تضمن لصاحبها مستقبلًا وظيفيًا واعدًا.
الشهادات الأكاديمية لم تعد وحدها كافية، بل أصبحت المهارات العملية مثل تحليل البيانات، والبرمجة، والتفكير النقدي أكثر أهمية في سوق العمل الحديث.
وسط هذه التحولات، تظهر تساؤلات أخلاقية وقانونية حول كيفية ضمان عدالة وشفافية الذكاء الاصطناعي.. من يضمن أن هذه الأنظمة غير متحيزة؟ وكيف يمكننا التأكد من أنها لا تنتهك الخصوصية؟
في عام 2018، اكتشفت شركة Amazon أن نظام التوظيف الذكي الذي طورته كان متحيزًا ضد النساء، ما دفعها إلى إيقافه نهائيًا. هذا المثال يؤكد الحاجة إلى أطر تنظيمية واضحة لمراقبة أنظمة الذكاء الاصطناعي وضمان عدالتها.
مسألة جوهرية أخرى تتعلق بالشفافية وحماية الخصوصية، فمن دون وضوح في كيفية عمل الأنظمة الذكية وتحديد الجهات المسؤولة عن أخطائها، قد نجد أنفسنا أمام مستقبل تتحكم فيه الخوارزميات دون مساءلة.
على سبيل المثال، أدركت شركة «IBM» أهمية هذه القضية، فطورت أدوات مثل «AI Explainability 360 وAI Fairness 360» التي تهدف إلى جعل قرارات الذكاء الاصطناعي أكثر وضوحًا وإنصافًا.. لكن هذه الجهود، رغم أهميتها، ليست كافية وحدها، إذ لا يزال المستخدمون يواجهون تحديات في فهم آليات اتخاذ القرار لهذه الأنظمة.
أما حماية الخصوصية، فهي معركة أخرى لا تقل أهمية. فمع اعتماد الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من البيانات، يصبح السؤال: كيف نضمن ألا تتحول هذه البيانات إلى أداة لانتهاك الخصوصية؟
في هذا السياق، برزت شركة «Apple» كإحدى الشركات التي تبنّت حلولًا تقنية متقدمة مثل «التعلم التفاضلي الخاص» (Differential Privacy)، وهي تقنية تسمح بجمع البيانات وتحليلها دون المساس بهوية المستخدمين.
هذه الخطوة تبدو ضرورية في وقت تتزايد فيه المخاوف من استغلال المعلومات الشخصية، لكنها في النهاية تظل جزءًا من صورة أكبر تتطلب توازنًا دقيقًا بين الابتكار وحماية الحقوق الأساسية للأفراد.
هذه المتغيرات تطرح سؤالًا أساسيًا: كيف يمكن للفرد البقاء في مقدمة المنافسة في سوق العمل؟
الإجابة تكمن في التعلم المستمر، وتحديث المهارات، والانفتاح على التقنيات الحديثة.. لا يمكن للإنسان أن يظل مرتبطًا بوظيفة تقليدية، بل يجب أن يكون مستعدًا لتطوير مهاراته بما يتناسب مع الاتجاهات الجديدة.
التحدي الأكبر يتمثل فيمن يتحكم في الذكاء الاصطناعي.. لهذا السبب، يجب أن تكون هناك جهات رقابية مسؤولة عن مراقبة وتنظيم هذه التقنية لضمان تكاملها مع القوانين والتشريعات الوطنية، ولضمان عدم استغلالها بشكل غير عادل.
أتطلع ان يكون هناك سلطة عليا جذرية تكون مسئولة عن تنظيم عمل الذكاء الاصطناعي ومراقبته كي تضمن كفاءة المحاور الثلاث السابقة وتضمن التكامل مع اللوائح والقوانين الأخرى المعمول بها في القطر المصري.
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل قوة ثورية تعيد رسم ملامح المستقبل. قد يكون التغيير مخيفًا للبعض، لكنه يحمل فرصًا عظيمة لمن يسعى إلى الاستفادة منه وتطوير مهاراته. ونصيحتي لك: لا تنتظر المستقبل، بل كن جزءًا من تشكيله.
بقلم / د. محمود منصور
خبير تكنولوجيا المعلومات