مقالات

مصطفى أبو جمرة يكتب: البيانات ثم البيانات ثم البيانات

تحدثنا و تحدث العالم عن نظم البيانات الكبيرة و الوعود الرهيبة التي طرحتها لتعظيم الأعمال و تحسين المنتجات بدءًا من التصميم و التسعير والتوزيع  إلى التسويق وتوقع الغش التجاري والعيوب الصناعية.

و لكن ما تحقق من كل ما سبق على أرض الواقع لم يكن بالكبير الوافي ،و لكنه أيضا لم يكن بالقليل المهمل. و لذلك استمرت المؤسسات و الشركات الكبيرة في مسيرة البيانات الكبيرة.

و بعد مراجعات للتجارب السابقة من خلال عملي مع مؤسسات خاصة وحكومية  بالداخل والخارج تبين لنا أنه لايزال الورق والملفات القرطاسية هي الأكثر اعتمادية لأن لها الحاكمية القانونية ،والقليل من مدخلاتها يتم إدخاله على قواعد البيانات ،وتكون تقنية التحويل الضوئي لتلك النصوص والأوراق غير ناجح بسبب الخطوط اليدوية السيئة المشابهة للطلاسم ، وقد يكون لهذا السبب الأثر الأكبر في فقدان الثقة لعوائد الاستثمارات الكبيرة التي وضعت في نظم البيانات الكبيرة لدى الإدارات العليا .

و هنا نقول إنه لا يجب التوقف عن مسيرة البيانات و لا البخل في دعمها ، بل يجب الوقوف على مشاكلها وتحليلها والوصول لحلول ممكنه للماضي و المستقبل . لأنه لا مناص عن ذلك للتنافسية العادلة في هذا العالم الجديد.

هناك أيضا مشكلة تظهر بين قطاعات الحوسبة وقطاعات البيانات في داخل المؤسسات ، إذا ما كانا على غير اتفاق ويخشى كل منهما الآخر . تحل اللعنة و تسقط الإدارة العليا ما بين فكي رحى التكنولوجيا . فحماسة العاملين في علوم البيانات قد لا تتفق مع التأمين السيبراني اللازم ، أو تكون كاشفة لعور خفي في نظم المعلومات بتلك المؤسسات . و هذه الحروب شهيرة عالميا ومنها قصص تشيب لها الولدان .

و لكن الشيء المحفز هو أن تقنيات البيانات قد تطورت وأصبحت عديدة وتناسب كل الصناعات و كل الأحجام ، و تتدفق علينا نجاحاتها و خاصة بعد أن بزغت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي  والذي لا يمكن الاقتراب منه إلا ومعنا بحيرات من البيانات الكاملة المنظفة والمهيكلة الحقيقية.

فعند توفر هذا نستطيع بناء العديد من الخوارزميات التي تقدر على توجيه متخذ القرار بجودة و دقة عالية لأشياء كثيرة .

إذن فالبيانات هي ثروة أي مؤسسة إذا ما عولجت و حسن استخدامها . و هنا نود أن نوضح أن البيانات ليست فقط ما تمتلكه المؤسسة على قواعد بياناتها ، بل إن هناك كم أكبر وقد يكون أكثر وأكثر تنوعا و هو المتاح على المجال المفتوح . على الفضاء السيبراني . به تفاصيل كثيرة عن منتجات المؤسسة وخدماتها ومستخدميها ومنافسيها ومحاربيها ومحبيها ومنتقديها .

هذه البيانات توجد على الشبكات الاجتماعية ومنصات التسوق ومنصات السفر والمواقع الإخبارية والمدونات … الخ. و لا يمكن التغافل عنها أو إهمالها . وقد نشأ لذلك تخصص في علوم البيانات هو  ( الأوسنت  OSINT ) الذي يمكن الباحثين الوصول لكم تفصيلي من البيانات الهامة والمفيدة وبشكل قانوني وأخلاقي.

إن 85٪ من البيانات على الشبكة العالمية مفتوحة ومتاحة ، و لكن تُلزمنا القوانين المحلية والدولية أن نتبعها بتجريدها من الشخصنة قبل جمعها و تحليلها، وهذا أمر لا يفقدها البتة من أهميتها .

و هنا نذكر منصة البيج براذر التي قمنا بتطويرها لكي تقوم بهذا المنحى من جمع ذكي وقانوني للبيانات المفتوحة من كل مصادر الشبكة و بشكل آلي ذكي يوفر بحيرات بيانات كاشفة لحقائق سوقية و صناعية و اجتماعية عظيمة الفائدة . و لكون المنصة معززة بنظام التحليل النصي الطبيعي للعاميات العربية  NLP،  فهي تفر ملايين الصفحات على الشبكة ولا تأتي إلا بما هو مناسب و مهم.

و يجب التأكيد على أنه بدون تلك البيانات الصغيرة لا نستطيع الجزم بأي من التحليلات المعتمدة فقط على بيانات المؤسسة ( بيانات الطرف الأول ) وأن الحصول على البيانات  الهامة من الأطراف الثلاثة لهو أمر في غاية الأهمية لاستكمال الرؤية التحليلية. وما حدث لشركة نوكيا العالمية إلا درس لنا جميعا ، عندما لم  تتنبأ بقدوم الهواتف الذكية رغم امتلاكها ملايين الملايين من البيانات على قواعد بياناتها .

و قد أتاحت منصة البيج براذر في السوق المحلية الكثير من التحليلات التي استخدمت من أجل الوصول لمشتري غير متوقع ، و إعادة تسعير منتج أو خدمة ، وإعادة تصميمه ليكون أكثر مناسبة للمستهدف ،والتوقيع الجغرافي ليس مستبعد ، فالمنصة دائما تجمع البيانات بإحداثياتها ما أمكن ، وبهذا تستطيع أن توفر تحليلات ديموغرافية وسيكوجرافية عن شوارع أو مناطق بعينها . فإذا ما أردت أن تختار موقعا لفرع جديد ، أو معرفة ما سبق لفروع قائمة تستطيع توفير ذلك معتمدة على البيانات.

و قد انتشر في العالم وصف للأعمال هو (   ( Data Drivenأي مدفوع بالبيانات . و النموذج الأقرب هو قواعد بيانات الرسائل النصية  أو الإيميل . و لكن إذا ما توفرت بحيرات كاملة لذلك يمكن بناء خوارزمية تعيد كتابة النصوص و تحديد وقت إرسالها وخلافه لتعطي نتائج أعظم ، و تقلل المضايقات . وقد امتد ذلك في تسعير المنتجات المتغير كتذاكر الطيران ، و إمتد كذلك في الفنون و الدراما المدفوعة بالبيانات مثل نيتفليكس.

و خلاصة نقول . إنه من اللازم أن ينتبه العاملين في الإدارات العليا للبيانات، حماية واستفادة . سواء ما يمتلكون وما يجمعون من خارجهم . إن مؤسسة لا تمتلك هذا السلاح هي مهددة تماما للإندثار  التراجع مها امتلكت من منتج أو خدمة متميزة.

 

 

م.مصطفى ابو جمرة خبير مصري في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى