بداية عام 2020 حين توقف العالم من حولنا بين ليلة وضحاها، حافظ قطاع واحد على زخمه ليبقى في الصدارة. فمع فرض حظر التجول، وجد الناس الكثير من وقت الفراغ بين أيديهم، اتجه مزيد منهم حول العالم لشغل أوقاتهم بممارسة الألعاب الإلكترونية، رغم أنها كانت التجربة الأولى لدى البعض منهم، مما جعل قطاع الألعاب واحداً من أسرع أشكال الترفيه نمواً على مدار العامين الماضيين.
واليوم، يواصل هذا القطاع ازدهاره، إذ أصبح مصدر دخل كبير جداً، ليغيّر المعطيات ويرسم مستقبلاً شاملاً ومجزيًا على حدٍ سواء.
نافذة على عالم أكثر شمولية
نتيجة الحظر وتوقف العلاقات والتجمعات في الدول عبر العالم، توجه العديد من الناس للتواصل مع العالم الخارجي عن طريق ممارسة الألعاب، التي وفرت نافذة جديدة لهم على العالم الخارجي. فقد استخدمها البعض للتغلب على الفراغ المادي والعاطفي، بينما جربها آخرون لتمضية الوقت أو تعلم مهارة جديدة، والبعض لمجرد التواصل مع غيرهم، وأن يكونوا جزءً من مجتمع حيوي. وقد دفعت حالة عدم الاستقرار التي فرضتها الجائحة العديد من المبتدئين إلى مجتمع الألعاب، مما ساعد على نمو هذا القطاع بسرعة فائقة.
أدى هذا النمو والتحول في قطاع الألعاب لخلق صورة جديدة عن اللاعبين، وكسر المعتقد السائد القائل بأن اللاعبين هم فقط من الذكور، وأنهم معزولون عن الحياة الاجتماعية. فقد حققت الألعاب مبدأ المساواة وباتت متاحة للجنسين من جميع الأعمار، ولم يعد هناك أي مانعٍ أمام التعلق بألعاب الفيديو، التي بات الأكثرية يمارسها للاسترخاء والتسلية والحد من التوتر والقلق.
فمثلاً، أظهر تقرير صادر عن “ألين وير” و”ريسيرتش سكيب” بعنوان “حالة الألعاب” (State of Gaming)، أن معظم اللاعبين يمتازون بشخصيات حيوية ومتوازنة. إذ إنهم لا يركزون على اللعب بمستوى عالٍ فقط، بل يسعون إلى التواصل مع اللاعبين الآخرين أيضاً. وقد جاء في التقرير، أن نسبة 26% من اللاعبين قد كوّنوا صداقات جديدة عن طريق الألعاب، وأقام 25% منهم علاقات وثيقة من خلال ألعاب الفيديو، مما يؤكد فكرة أن ألعاب الفيديو تساهم توحيد وربط الناس بطريقة فريدة للغاية.
نمو حيوي في القطاع
تواصل ثقافة الألعاب في منطقة الشرق الأوسط النمو بصورة مطردة، وتثبت أنها سوق مهم لهذا القطاع. وحسب تقديرات السوق، من المتوقع أن يسجل القطاع بين عامي 2021-2026 نموًا بمعدل سنوي مركب يصل إلى 12,1%، مع بروز أفضل الأسواق في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين. كما يواصل مجتمع الألعاب والرياضة الإلكترونية المحلية انتشاره وتوسعه مع وجود برامج البث المحلية، التي حازت على ولاء المتابعين وحصلت على مجموعة وفيّة من المشتركين. وكذلك الأمر في عالم ألعاب يوتيوب، إذ صنفت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ضمن الأسواق العشر الأولى عالميًا من حيث نسب تفاعل الجمهور، الذي يضم الرجال والنساء من مختلف الفئات العمرية.
يمكننا أن نلمس هذا الحماس والاهتمام بالمحتوى المحلي جليًا من خلال حجم الفعاليات المخصصة السنوية التي يقيمها القطاع، بما فيها: مهرجان جيمز كون الشرق الأوسط، ومهرجان “غيرل غيمر” للألعاب الافتراضية الرقمية، ومهرجان “إنسومنيا” للألعاب الالكترونية. وفي إطار توسع هذا القطاع، نترقب ظهور المزيد من المواهب الإقليمية للاعبين، ومقدمي أنواع البث المباشر إلى جانب محتوى الألعاب المخصص للمنطقة العربية.
نظرة سريعة للمستقبل: جاري التحميل..
ولكن، ماهي أشكال التطور المرتقبة في الأعوام القادمة لهذا القطاع الذي بات يحمل خصائص جديدة، وبشكل خاص خلال العامين الماضيين؟ من المتوقع نمو القطاع بشكل متزايد وملحوظ في المستقبل القريب.
تشير الإحصائيات إلى أن منطقة الشرق الأوسط تحتوي على حوالي 70% من السكان تحت سن 30 عاما، وما يقرب من 100 مليون لاعب، مما يؤكد على تقدم القطاع حسب التوقعات، وأن يتطور استخدام الألعاب إلى أبعد من غرف اللعب الافتراضية، لتصل إلى الفصول الدراسية والشركات، وقد تصل في النهاية إلى إعادة صياغة مستقبل العمل.
من المتوقع دخول الألعاب قطاع التعليم، حيث تساعد في معالجة صعوبات التعلم، ودعم التعاون بين الطلبة، وبناء بيئاتٍ عصرية لمشاركة معرفة شاملة ذات تأثير جلي وملحوظ. كما ستعمل الشركات في العقد القادم، على تمكين موظفيها عبر غرس ثقافة ممارسات التعاون أثناء العمل عبر الألعاب والبرمجة ومفهوم المجتمعات الموزعة. وستحظى المهارات المكتسبة من الألعاب مثل التفكير الاستراتيجي، والتنسيق بين اليد والعين التي تتطلبها تلك الألعاب، وتسريع زمن الاستجابة، والعمل الجماعي، وقدرات القيادة، بأعلى الامتيازات في عالم العمل الاحترافي.
وعلى الصعيد المحلي، ستغذي تقنيات ألعاب الترميز فرص العمل في الاقتصاد الرقمي، إلى جانب دعم المواهب الشابة الطموحة وأبطال العالم في المستقبل. علاوة على ذلك، سيطال القطاع التقنيات سريعة النمو مثل تقنية الجيل الخامس، والحوسبة الطرفية، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي. ومع كمية البيانات الضخمة التي ستتولد عنه، سيصبح قطاع الألعاب هو الرائد في استخدام هذه التقنيات. وستتفاوت التجارب في واقعيتها وضخامة الطلب عليها بين استخدام أحدث المعالجات في الأجهزة وأنظمة العرض المنفصلة القوية. رغم تميز أجهزة الكمبيوتر المحمولة والمكتبية المخصصة للألعاب بقدرتها على عرض الصور المذهلة التي تشتهر بها العديد من الألعاب الحديثة، إلا أن الألعاب العصرية تتطور باستمرار بما يخص جمال المؤثرات ودقتها، وتتطلب أجهزة متطورة مصممة لتلبية الاحتياجات المحددة والمطلوبة من قبل المستخدمين.
هذا هو مستقبل اللاعبين، فقد تغيرت الآن الصورة النمطية حولهم. فقد أصبح اللاعب اليوم يمتاز بشخصية حيوية واجتماعية ناجحة. وعلى غرار تكنولوجيا ألعاب الفيديو المليئة بالتشويق والإثارة، بات ملف اللاعب الإقليمي يتطور باستمرار دون توقف.
بقلم أوتكارش باندي، مدير قسم، منطقة الشرق الأوسط لدى دِل تكنولوجيز