تقرير يكتبه: محمد لطفي
سيظل الإنترنت وقطع الاتصالات هو البطل الحقيقي لنجاح ثورة 25 يناير 2011 ، فبدونها كانت الأمور ستسير على ما يرام وينفض الحشد الجماهيري .
فخلال الساعات المقبلة سيمر 10 سنوات بالتمام والكمال على ثورة يناير المجيدة ، ربما يتفق الكثيرين على نجاحها في انها سمحت للمصريين من الخروج من كهنوت حكم دام 30 عاما وربما يلعنها البعض الآخر.
بداية الحكاية نرويها منذ مقتل الشاب خالد سعيد الذي يعد أيقونة حقيقية لهذه الثورة … كان شابا بسيطا ليس له أي تطلعات في بلاده ، إلا أن الظلم الذي شعر به جعله يخرج عن المألوف ومن روايات شهود العيان الذين أكدوا أن الشاب المصري خالد سعيد أيقونة ثورة 25 يناير 2011 والذي ولد في 27 يناير عام 1982 قد قتل بعد التعذيب في 6 يونيه عام 2010 على أيدي مخبرين من وزارة الداخلية لأنه اكتشف مخالفتهم للقانون – وفقا لما تردد وقتها وما نشرته وسائل الإعلام المقروءة والإلكترونية. .
وبعد مقتل خالد سعيد بدأت تظهر مطالبات من خلال صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك “كلنا خالد سعيد” والتي كان يقوم عليها مدير تسويق شركة جوجل المهندس وائل غنيم كما ثبت بعد ذلك والذي بدأ في إثارة الشعب وحثهم على الخروج في الخامس والعشرين من يناير 2011 الذي يوافق ذكرى عيد الشرطة لحث المواطنين على الغضب في وجه الحكومة خاصة نظام اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق .
واحشتد الآلاف بل مئات الآلاف في الساعات الأولى للثورة إلى أن قطع الإنترنت والمحمول عن مصر في الكثير من المناطق بسبب قرارات عليا صدرت من وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ووقعت بعدها الطامة الكبرى وكانت بداية نجاح للثورة المصرية ، في هذا الوقت كان عدد مستخدمي الإنترنت في مصر قرابة ال 30 مليون مستخدم وعدد مستخدمي المحمول قرابة ال 92 مليون مستخدم .
ربما يرجع الفضل في نجاح ثورة يناير 2011 إلى تلك الأوامر العليا التي صدرت من اللواء حبيب العادلي وزير الداحلية آنذاك بقطع الاتصالات في الهواتف المحمولة والإنترنت وهو ما دفع عشرات الآلاف من المصريين إلى النزول إلى الشارع بحجة الاطمئنان على ذويهم ، وكان العادلي قد اعتقد أنه بقطع المحمول والإنترنت سيمنع نزول المصريين ويقطع وسائل التواصل عنهم إلا أن السحر انقلب على الساحر وتم قطع الاتصالات نهائيا عن مصر يوم الجمعة 28 يناير 2011 والتي أطلق عليها “جمعة الغضب” إلى أن تنحى الرئيس الأسبق حسني مبارك عن قيادة البلاد في 11 فبراير 2011 وكلف المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي بإدارة البلاد وتعيين اللواء عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية .
وقد أكد لي الدكتور عمرو بدوي الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات السابق أنه قد أدلى بشهادته في هذا الأمر وأثبت القضاء أن الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء في هذا الوقت والدكتور طارق كامل وزير الاتصالات في ذلك الوقت ليس لديهم أي صلة بموضوع قطع الاتصالات والإنترنت من قريب أو بعيد وأن قيادات عليا في الدولة المصرية قد اجتمعت دون الرئيس الأسبق حسني مبارك بداية من المشير حسين طنطاوي واللواء عمر سليمان وعدد من الجهات والوزراء والذين فوضوا وزير الداخلية في هذا الأمر .
وما تردد وقتها على مواقع التواصل الاجتماعي في شأن قطع الإنترنت والاتصالات أن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي قام بالاتصال بنفسه بوزير الاتصالات طارق كامل ظهر يوم الخميس 27 يناير 2011 وطلب منه قطع كافة خدمات الاتصالات والإنترنت خلال ساعات قليلة لكن طارق كامل رفض بشدة وأكد للعادلي استحالة حدوث ذلك لكثرة الأضرار بسمعة مصر خارجيا وأيضا لحظر القوانين قطع خدمات الاتصالات علي المواطنين.
ولم يقتنع العادلي بكل هذه المبررات وارتفع صوته قبل أن يختم مكالمته وأعاد مطالبته في صيغة “أمر” بقطع الخدمات فورا.
وبعد ساعات فوجيء الدكتور طارق كامل باتصال ثان من وزير الداخلية وقد استشاط غضبا من عدم انصياع الأول لأوامره والقيام بقطع الإنترنت والاتصالات عموما.. فحاول طارق كامل أن يهديء من روعه ولكن العادلي كان غاضبا ومتوترا بشدة.. وتطور الحوار سريعا بين الطرفين تليفونيا وقال العادلي مهددا: غدا سيجتمع في ميدان التحرير أكثر من مليون متظاهر وإحنا مش عارفين البلد رايحة علي فين ولازم نقطع الإنترنت فورا حتى لا نوفر لهم وسيلة الاتصال ببعضهم البعض.
فلما تمسك الدكتور طارق كامل بموقفه علت نبرة صوت وزير الداخلية وجن جنونه فقال “أنا أحملك المسئولية كاملة أمام ما سيحدث غداً إذا لم تقطع الإنترنت وسأبلغ موقفك إلى سيادة الرئيس وأنت حر”.
علي الفور اتصل الدكتور طارق كامل بالدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق وأبلغه بمحتوي مكالمة وزير الداخلية وتهديده المباشر له وتحميله المسئولية وسأله طارق كامل مباشرة: “أعمل إيه يافندم.. هل أخضع لتهديده وأقطع خدمات الاتصالات والإنترنت؟ فرد عليه نظيف صراحة: ما تسمعش كلامه وإياك وقطع الإنترنت.. فسأله طارق كامل: طيب وأرد عليه بإيه لو اتصل تاني؟ فقال نظيف: حاول تتحجج بأي حجة ياطارق وجاريه في الكلام”.
دعا الدكتور طارق كامل إلي اجتماع طاريء حضره كل معاونيه وقيادات قطاع الاتصالات وجهاز تنظيم الاتصالات وبعض قيادات الشركات للتشاور والوصول إلي قرار.. ورفض جميع الحاضرين تهديدات وزير الداخلية وتضامنوا مع طارق كامل في موقفه وقالوا: مستحيل يافندم قطع الإنترنت والاتصالات.. لو عملنا كدة نبقي ارتكبنا جريمة وكارثة في حق بلدنا وسمعتها في الخارج.. وبينما كان طارق كامل في اجتماعه مع معاونيه بالقرية الذكية.. كان العادلي قد اجتمع مع كبار جنرالاته فيما يشبه مجلس حرب واتخذوا قرارا بالإجماع بقطع كافة خدمات الاتصالات والإنترنت فوراً.. وفعلاً تم إملاء القرار الخطير علي المسئولين بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وشركات المحمول والإنترنت الذين لم يجدوا بدا من الخضوع لأوامر وزير الداخلية.
ونحمل معنا وثائق دامغة وأحكام قضائية حصلنا عليها تؤكد براءة قطاع الاتصالات ووزيره من تهمة قطع الاتصالات والإنترنت رغم تحفظ الكثيرين في الحديث عن هذاالموضوع بما فيهم الدكتور طارق كامل نفسه.
وتعتبر هذه الشهادة التي أدلى بها المسئولون عن الاتصالات في مصرت والتي نشرت شهاداتهم في كتاب ” شهادة للتاريخ ..20 عاما على تأسيس وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات” .