
لم يكن عام 2025 عامًا عابرًا في تاريخ قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر، بل جاء محمّلًا بالتحولات الكبرى والاختبارات القاسية، بين إنجازات تاريخية وضغوط غير مسبوقة. عامٌ شهد الانطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس (5G)، فاتحًا آفاقًا جديدة للاقتصاد الرقمي، ومؤكدًا أن مصر دخلت مرحلة أكثر تقدمًا في سباق البنية التحتية التكنولوجية. وفي المقابل، وضع حريق سنترال رمسيس القطاع أمام اختبار حقيقي لمدى الجاهزية والمرونة واستمرارية الخدمات، ليكشف عن نقاط قوة تم تجاوزها بسرعة، وتحديات بات التعامل معها ضرورة لا خيارًا.
ورغم التقلبات، خرج القطاع من 2025 أكثر نموًا ونضجًا، مدفوعًا بتوسع الاستثمارات، وتسارع التحول الرقمي، وزيادة الاعتماد على الخدمات الرقمية في مختلف القطاعات، من الحكومة إلى الأعمال والمواطنين. ومع إسدال الستار على عام حافل بالأحداث، يطل عام 2026 محمّلًا بتوقعات ساخنة، ورهانات أكبر، حيث تتجه الأنظار إلى تعظيم عوائد الجيل الخامس، وتوسيع نطاق الابتكار، وبناء شبكات أكثر أمانًا واستدامة، في عام يبدو أنه سيكون عام الحسم بين الطموح والتنفيذ.
أيام قليلة تفصلنا عن الموعد الذي حدده الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لمنح شركات المحمول ترددات جديدة بقيمة تصل إلى 3 مليارات دولار، وبحيز ترددي إجمالي يبلغ 820 ميجاهرتز، وهو رقم يقترب من إجمالي الترددات التي أتاحتـها الدولة المصرية على مدار 25 عامًا، والتي بلغت في مجموعها نحو 850 ميجاهرتز.
ليظل بذلك قطاع الاتصالات والمحمول الحدث الأهم والأبرز على أجندة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري.
وقبل بدء عام 2025، كانت هناك عدة إجراءات ومجريات تنفذها الحكومة بصورة تجريبية، إلى أن اتضحت أبعادها لاحقًا، ويأتي في مقدمتها فرض ضريبة على الهواتف المحمولة المستوردة، وفقًا للشروط والضوابط التي أعلنها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وهو ما أسفر عن تحصيل نحو 10 مليارات جنيه، في إطار ما أُطلق عليه حوكمة التليفون المحمول، وذلك منذ بدء تطبيق القرار وحتى نوفمبر 2025، وهو القرار الذي أثار جدلًا واسعًا حول آليات تنفيذه.
وفي 4 يونيو الماضي، احتفلت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس (5G) في السوق المصرية، خلال حفل مهيب شهده دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ولفيف من الوزراء، حيث أعلنت شركات المحمول الأربع حينها جاهزيتها لتشغيل الخدمة والتوسع في نشرها بجميع أنحاء الجمهورية.
وقد حصلت الخزانة العامة للدولة على 675 مليون دولار مقابل منح هذه الرخصة، والتي جاءت دون تخصيص ترددات جديدة.
ومن حوكمة المحمول إلى خدمة Wi-Fi Calling، التي أثارت ضجة كبيرة فور الإعلان عنها، إذ صاحبها زخم إعلامي واسع، إلا أنه ومع كتابة هذه السطور، لم تصدر تصريحات رسمية واضحة تشرح أبعاد الخدمة بشكل تفصيلي، أو توضح مدى استفادة المواطنين منها على أرض الواقع.
وتتيح هذه الخدمة إجراء المكالمات الصوتية بجودة عالية ونقاء أفضل للصوت عبر شبكات الواي فاي، في الأماكن التي يصعب فيها إجراء المكالمات من خلال شبكات المحمول التقليدية، مثل بعض الأبراج والمباني السكنية والتجارية التي تعاني من ضعف التغطية. ويتم تشغيل الخدمة بنفس خطة الأسعار المشترك بها المستخدم، دون تحميله أي رسوم إضافية، مع إمكانية تفعيلها من خلال إعدادات الهاتف المحمول.
ومن ترددات ورخص الجيل الخامس، مرورًا بالإعلان عن افتتاح عدد من المصانع العالمية لتجميع وتصنيع الهواتف المحمولة في مصر، أبرزها مصانع شركات سامسونج، وشاومي، وريلمي، وأوبو، وغيرها من العلامات التجارية البارزة، حيث بلغت إجمالي الاستثمارات في هذا المجال أكثر من 150 مليون دولار، وأسهمت في تصنيع نحو 10 ملايين جهاز محمول، بزيادة قدرها 6.4 مليون جهاز مقارنة بعام 2024.
ولا شك أن أبرز أحداث عام 2025 كان حريق سنترال رمسيس، الذي يُعد من أخطر الأزمات التكنولوجية والاتصالية في تاريخ البنية الرقمية المصرية الحديثة.
ففي 7 يوليو 2025، اندلع حريق هائل في مبنى سنترال رمسيس بمنطقة وسط القاهرة، أحد أهم مراكز الاتصالات والبنية التحتية الحيوية في مصر، لما له من دور محوري في إدارة شبكات الاتصالات والإنترنت وتبادل البيانات عبر الشبكات الثابتة والمحمولة.
ووفقًا للتحقيقات الرسمية الأولية، نشب الحريق في إحدى غرف المعدات (Server Room) بالطابق السابع من المبنى، نتيجة شحنة كهربائية قصيرة (Short Circuit)، ما أدى إلى اشتعال النيران في كابلات الطاقة والبيانات، وانتشارها سريعًا عبر ممرات الكابلات داخل المبنى.
وأسفر الحريق عن خسائر إنسانية ومادية مؤلمة، حيث لقي أربعة موظفين مصرعهم اختناقًا بالدخان أثناء تأدية عملهم، وأصيب عشرات آخرون بإصابات متفاوتة جرى نقلهم على إثرها إلى المستشفيات. وعلى مستوى البنية التحتية، تعرضت أجزاء كبيرة من المعدات والكابلات الحيوية لأضرار جسيمة، ما تسبب في تعطل خدمات الاتصالات والإنترنت وحدوث اضطرابات واسعة في الشبكات الرقمية.
ونظرًا لأهمية سنترال رمسيس كمركز رئيسي للبنية الرقمية، انعكست آثار الحريق بشكل فوري وواسع على عدد من القطاعات الحيوية، حيث توقفت خدمات الهواتف الأرضية والمحمولة، وتعرض مستخدمو الإنترنت لانقطاعات جزئية وكاملة في القاهرة وعدد من المحافظات، كما تأثرت الخدمات المصرفية الرقمية، بما في ذلك ماكينات الصراف الآلي وتطبيقات الدفع الإلكتروني، وتوقفت بعض المعاملات المالية مؤقتًا.
كما امتد التأثير إلى قطاع الأعمال، خاصة الشركات التي تعتمد بشكل أساسي على الإنترنت في إدارة عملياتها، ما أدى إلى خسائر مؤقتة في الإنتاجية، وأعاد فتح النقاش حول ضرورة تعزيز خطط الطوارئ وإدارة المخاطر داخل البنية التحتية الرقمية.
ولا يزال الحريق يثير نقاشًا واسعًا حول مدى جاهزية البنية التحتية الوطنية، وفعالية أنظمة السلامة ومكافحة الحريق داخل المنشآت الحيوية، ليبقى هذا الحدث درسًا محوريًا لتعزيز الجاهزية المستقبلية ورفع كفاءة الشبكات الوطنية في مواجهة الأزمات.












