حسن السكري يكتب لـICTBUSINESS :صعود الريادي المدعوم بالذكاء الاصطناعي..حين يتحول الفرد إلى مؤسسة
على مدار عقود، كانت ريادة الأعمال تُقاس بالحجم — عدد الموظفين، مساحة المكاتب، وعدد الإدارات التي تديرها. كان النجاح يعني التنظيم والتوسع والسيطرة.لكن هذا النموذج يتلاشى أسرع مما نتخيل.
الذكاء الاصطناعي أعاد رسم حدود ما يمكن أن ينجزه الفرد الواحد. المهام التي كانت تتطلب فرق تسويق وتحليل ومحاسبة وتصميم، يمكن الآن تنفيذها عبر أدوات ذكية ومساعدين رقميين خلال ساعات.
النتيجة؟ ظهور الريادي الفرد (Solopreneur) — المحترف الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي ليعمل بطاقة مؤسسة كاملة.
هذه ليست مجرد موجة تقنية جديدة؛ إنها إعادة تعريف كاملة لريادة الأعمال كما نعرفها.
نهاية نموذج الريادي الصناعي
في العصر الصناعي، النجاح كان لمن يستطيع تنظيم الأيدي العاملة.
في العصر الرقمي، النجاح كان لمن يستطيع بناء المنصات.
أما في عصر الذكاء الاصطناعي، النجاح سيكون لمن يستطيع تنسيق العقول الاصطناعية.
في الماضي، إطلاق شركة جديدة كان يعني توظيف فريق من المطورين والمسوّقين والمصممين والمحاسبين.
أما اليوم، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بنصف هذه الأدوار على الفور.
باستخدام ChatGPT، يمكن للمؤسس إعداد دراسة السوق، وصياغة نموذج العمل، وتصميم الهوية البصرية، ووضع خطة التوسع — قبل أن يُوظَّف أول موظف.
ريادة الأعمال لم تعد إدارة فرق، بل إدارة أنظمة ذكاء اصطناعي.
وهنا يحدث التحول الجذري.
القطاع الصحي: الساحة الجديدة للريادي الفرد
لطالما كان القطاع الصحي معقدًا ومكلفًا، مليئًا بالتنظيمات والتراخيص.
لكن الذكاء الاصطناعي بدأ يفكك هذه الحواجز.
خذ مثلاً أيمن، الصيدلي الذي أسس مشروع 30Med — منصة رقمية تستبدل المندوب الطبي التقليدي بواجهة ذكية تعتمد على البيانات.
بدلاً من زيارات ميدانية مكلفة للأطباء، تستخدم المنصة أدوات تحليل وتواصل رقمي وتثقيف آلي للمنتجات.
أيمن يدير وحده نظام إدارة العملاء والتحليلات وتقارير الأداء — ما كان يحتاج فريقًا من 20 مندوبًا أصبح يحتاج مؤسسًا واحدًا ومساعدًا ذكياً.
وفي المقابل، نجد أريج — صيدلانية أخرى أسست مشروع Kemet، وهو خط لإنتاج مستحضرات تجميل وعطور طبيعية.
تصمم التعبئة عبر أدوات Canva الذكية، وتُعد المحتوى والوصفات باستخدام ChatGPT، وتُطلق الحملات التسويقية آليًا عبر منصات التواصل.
قسم التسويق بأكمله أصبح داخل هاتفها.
هذه ليست مشاريع جانبية، بل شركات دقيقة الحجم تُدار بالذكاء الاصطناعي، تعمل بخفة وتكبر بسرعة.
الذكاء الاصطناعي: المساوي العظيم في الفرص
الذكاء الاصطناعي لا يُقصي الرياديين، بل يُضاعف عددهم.
إنه يُساوي فرص الوصول إلى السوق ويُقلل تكلفة الإبداع والتنفيذ.
الأدوات التي كانت حكرًا على الشركات الكبرى — لوحات التحليل، إدارة العملاء، التصميم والتسويق — أصبحت متاحة لأي فرد باشتراك شهري بسيط.
هذا يعني أن الطبيب أو الصيدلي أو خبير التغذية يستطيع اليوم بناء مشروع رقمي حول خبرته الشخصية.
من الطب الافتراضي إلى العناية الشخصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، الحواجز تنهار بسرعة.
الذكاء الاصطناعي لا يُبدل البشر، بل يُضخِّم قدراتهم.
جيل المبدعين القادم في القطاع الصحي لن يكون من الشركات الكبرى، بل من رياديين أفراد مدعومين بالذكاء الاصطناعي.
نموذج الاستوديو: منصة لعصر الريادة الفردية
من هنا وُلدت فكرة Vita Venture Studio — منظومة جديدة لبناء مشاريع ريادية يقودها أفراد.
بدلاً من تمويل فرق ضخمة، تقدم Vita بنية رقمية مشتركة: أنظمة CRM، أدوات ذكاء اصطناعي، دعم في بناء العلامة التجارية، وأطر جاهزة للتوسع في السوق.
كل ريادي ينضم إلى Vita يحصل على هذه الأدوات فيصبح قادرًا على النمو دون بيروقراطية أو نفقات تشغيلية.
Vita ليست حاضنة، بل مُضخّم للقدرات الفردية.
فبدلاً من بناء شركات، تبني Vita أفرادًا يحملون بداخلهم شركاتهم الخاصة.
من الشركات إلى الشبكات
مستقبل العمل لن يُبنى على الهرم المؤسسي، بل على شبكات من رياديين مستقلين.
سيتعاون الأفراد عبر الحدود، مدعومين بأنظمة ذكاء اصطناعي تتولى التنسيق.
لن تكون هناك أقسام ثابتة، بل فرق مؤقتة تتشكل حسب المشاريع ثم تتفكك لتبدأ من جديد.
الذكاء الاصطناعي سيتولى التنسيق؛ والبشر سيركزون على الإبداع والرؤية والابتكار.
وما نراه اليوم في الصحة والتعليم والتصميم والتقنية، هو مقدمة لعصر جديد من ريادة بلا جدران.
الفرصة الحقيقية
على المستثمرين وصانعي السياسات أن يعيدوا التفكير.
الاستثمار القادم يجب أن يوجَّه إلى الأفراد المزودين بالأنظمة، وليس فقط إلى الشركات المزودة بالموظفين.
يجب أن نُعيد تصميم التعليم ليركز على الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال الفردية، وأن نبني منظومات تُساعد الخبراء على تحويل معرفتهم إلى مشاريع قابلة للنمو.
الابتكار القادم لن يأتي من الشركات الناشئة التقليدية، بل من الأفراد المُمكَّنين بالذكاء الاصطناعي.
الخاتمة
القرن العشرون كان عن توسيع المؤسسات.
القرن الحادي والعشرون هو عن توسيع الإنسان نفسه.
الذكاء الاصطناعي لا يُبدل الرياديين — إنه يُعيد تعريفهم.
وفي هذا العالم الجديد، الريادي الفرد ليس استثناءً…
بل هو شكل الريادة القادم.
بقلم: حسن السُكَّري
مؤسس Vita Venture Studio، منصة تمكّن الرياديين الأفراد في مجالات الصحة والتقنيات الناشئة باستخدام الذكاء الاصطناعي. بخبرة تمتد لثلاثة عقود في التحول الرقمي والابتكار، يقود حسن رؤية جديدة لعصر من ريادة الأعمال أكثر ذكاءً، مرونةً، وإنسانيةً










