“دور التكنولوجيا المالية في الحد من الفجوة الرقمية بين الريف والحضر بمصر”في ورقة بحثية
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ورقة بحثية جديدة ضمن سلسلة “شبابنا يدعم قرارنا”، والتي أشار إلى أنها سلسلة بحثية غير دورية، تتسم بكونها ذات طابع تطبيقي، يصدرها وينشرها المركز ايماناً منه بالدور الحيوي الذي يلعبه شباب الباحثين في الجامعات والمؤسسات البحثية جميعها في تقديم رؤى وأفكار خلاَّقة لدعم متخذ القرار، إلى جانب تشجيع مشاركة الشباب في رسم السياسات العامة لعدد من القضايا ذات الأولوية في المجالات كافة، وانتهاءً بطرح استراتيجيات متكاملة، وآليات تنفيذية مبتكرة للقضايا محل الدراسة والتحليل، وقد جاءت الورقة البحثية بعنوان “دور التكنولوجيا المالية في الحد من الفجوة الرقمية بين الريف والحضر في مصر”.
تستهدف الورقة تقديم توصيات لمتخذي القرار تساعد على تقليص الفجوة الرقمية بين الحضر والريف من خلال التوسع في تطبيق واستخدام “التكنولوجيا المالية” والتي تم تعريفها بأنها التقنيات والأساليب التكنولوجية الحديثة التي تُوظَّف في تقديم الخدمات المالية بدلًا من الوسائل المالية التقليدية مثل، التطبيقات والإجراءات والعمليات والمنتجات ونماذج الأعمال المستحدثة التي تُوفَّر عبر الإنترنت باستخدام الوسائل التكنولوجية المتطورة، فيما تم تعريف الفجوة الرقمية بأنها الفجوة بين أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الخدمات التكنولوجية الرقمية بأسعار معقولة مع تمكنهم من استخدامها في مقابل أولئك الذين يفتقرون إلى ذلك.
تناولت الورقة توضيح أبرز مؤشرات قطاع التكنولوجيا المالية في مصر، حيث تزايد دور قطاع التكنولوجيا المالية في الاقتصاد المصري خلال الألفية الحالية في تحقيق التنمية المستدامة، واستهدف هذا القطاع خلق بيئة رقمية تكفل ميزة تنافسية على المستوى الإقليمي، وقد شهد الاقتصاد المصري في الفترة الراهنة تزايد في عدد الشركات الناشئة المتعاملة في مجال التكنولوجيا الماليةـ وتوسيع نطاق رقمنة الخدمات المالية، ومن أهم شركات التكنولوجيا والتطبيقات الذكية التي تدعم التحول الرقمي “شركة فوري، وتطبيق حوشلي، وشركة تي باي، وشركة دي سي بي، ودوباي، وموقع ادفعلي دوت كوم، وتطبيق ماني فيللوز، وتطبيق فاليو، ومتجر باي موب”.
واستعرضت الورقة التشريعات والقوانين والمبادرات التي استهدفت دعم قطاع التكنولوجيا المالية والتي جاء من أبرزها، مجموعة من القوانين التي استهدفت تحقيق الأمن السيبراني ومكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات مثل قانون رقم 175 لسنة 2018، ومجموعة أخرى من القوانين التي استهدفت تنظيم استخدام وسائل الدفع الإليكترونية مثل قانون رقم 18 لسنة 2019، فضلًا عن مجموعة تضم 6 قوانين استهدفت تقنين استخدام أوراق البنكنوت خارج نطاق الجهاز المصرفي، بالإضافة إلى تشجيع الرقمنة للخدمات المالية والمصرفية.
وتُعد إجراءات وقرارات البنك المركزي بمثابة نواه للإطار التشريعي والقانوني لحوكمة صناعة التكنولوجيا المالية، فقد أصدر قرارًا سنة 2017 نص على استخدام رمز الاستجابة السريع “QR” لدى التجار، فضلًا عن قبول المدفوعات إليكترونيًا، بالإضافة إلى ما أصدره البنك المركزي المصري من قرارات استهدفت تنظيم وتسهيل عمليات تحصيل وسداد الفواتير بشكل إلكتروني رقمي.
تناولت الورقة أبرز المبادرات والجهود التي اتخذتها مصر لتوظيف التكنولوجيا المالية في تقليل الفجوة الرقمية بين الريف والحضر، حيث تمت الإشارة إلى “استراتيجية البنك المركزي التي تمت صياغتها وبلورتها في 2019 بهدف جعل مصر مركزًا إقليميًا لصناعة التكنولوجيا المالية”، وقد عمّدت تلك الاستراتيجية إلى الحد من التفاوت الرقمي بين سكان الريف والحضر، وقد انطوت في ثناياها على العديد من المحاور التي تمت بلورتها من خال مجموعة متكاملة من الإجراءات والمبادرات. يتكفل بها كلا من البنك المركزي المصري ووزارة المالية المصرية من أجل تعزيز الشمول المالي بهدف الحد من التفاوت الرقمي ونشر ثقافة الرقمنة على نحِو يكفل دمج كافة القطاعات والفئات العمرية في مسار التحول الرقمي، وفي سعيهما لتحقيق تلك الأهداف قام البنك المركزي بإنشاء مركز لصناعة التكنولوجيا المالية يسعى من خلاله إلى جمع جميع الأطراف المعنية بقطاع التكنولوجيا المالية من مستثمرين ورواد أعمال ووسطاء وجهات رقابية، فضلاً عن تقديم الدعم الكافي لشركات التكنولوجيا المالية وإطلاق العديد من المبادرات التي تهدف في المقام الأول لإلغاء حالة الأمية الرقمية وتقليص التباين بين التغطية الرقمية في الريف والحضر.
كما تمت الإشارة إلى “مبادرة بطاقة “ميزة” التي أطلقتها البنوك وسيلة ذات فاعلية لتقليص الفجوة الرقمية بين الريف والحضر حيث يمكن لحاملي البطاقات حرية السداد أو السحب من أرصدتهم عبر شبكة الصراف الآلي الأمر الذي يسهم بشكل رئيس في تحقيق الربط الرقمي بين الريف والحضر بما لاقته هذه البطاقة على وجه الخصوص من قبول عام للأفراد”.
وأيضًا “مبادرة توسيع نقاط البيع الإليكترونية” والتي استهدفت عديد من القرى الريفية وتنقسم ماكينات نقاط البيع الإليكترونية إلى نوعين رئيسين هما “ماكينات نقاط البيع البنكية، وماكينات نقاط البيع لشركات وتطبيقات الدفع الإليكتروني” مثل شركة فوري وأمان وغيرها، ومن أهم الجهود الحكومية كذلك “منحة مستقبلنا الرقمي (FWD) التي تمت بالتعاون بين هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات ووزارة الاتصالات عبر منصة (Udacity) وبدعم مباشر من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وهي منحة رقمية مدعمة ماديًا بالكامل من قبل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واستهدفت المنحة تطوير مهارات أكثر من 100,000 مصري من سكان الريف والحضر على حد سواء، إذ استهدفت تلك المبادرة تمكين الشباب بمختلف المناطق الجغرافية في مصر من المنافسة في سوق العمل الدولية عبر مختلف منصات العمل الحر، وذلك عن طريق تأهيلهم وتدريبهم على مختلف مجالات العمل الرقمي الحر مثل: تحليل البيانات، وتصميم المواقع الإلكترونية، والتسويق الإلكتروني، والحوسبة السحابية، وتطوير تطبيقات الهاتف المحمول.
وفي سياق متصل هناك مبادرات استهدفت تمكين المرأة الريفية على وجه الخصوص مثل “مبادرة قدوة-تك لتمكين المرأة تكنولوجيًا” برعاية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي تسعى إلى تمكين المرأة في محافظات مصر تكنولوجيًا بالأخص في المناطق النائية والمهمشة، بالإضافة إلى “مبادرة الريف المصري” التي استهدفت رفع كفاءة الخدمات الرقمية والبنية التكنولوجية من خلال العمل على تحسين خدمات الكهرباء ورفع كفاءة خطوط الاتصالات، كما قامت الدولة بعديد من المبادرات التي استهدفت رقمنة مؤسسات الدولة ورقمنة الخدمات الحكومية (مثل منصة مصر الرقمية)، ولا شك أن ذلك يترتب عليه تشجيع وتمكين سكان الريف من مواكبة التحول الرقمي في مصر.
أشارت الورقة كذلك إلى “البرامج والندوات التي عقدتها الجامعات المصرية” لنشر ثقافة التحول الرقمي، وأيضًا “مبادرة حياة كريمة” والتي استهدفت سد الفجوة الرقمية بين الريف والحضر وتوطين القرى الذكية بالريف المصري من خلال أولاً: وضع خارطة طريق تضمن الحد من التباين في التغطية الرقمية وتهيئ المسار نحو التحول الرقمي من خلال تعزيز المشاركة الفعالة لكافة المؤسسات المعنية بالتحول وقد تضمنت خارطة الطريق في طياتها العديد من السياسات التشريعية والقانونية فضاً عن عديد من برامج التعليم والتدريب، وثانياً تعزيز مناخ وبيئة مواتية لتوطين القرى الذكية بالريف المصري من خال التحول الرقمي المالي الذي يشمل مجموعة متكاملة من السياسات الحكومية والإجراءات التنظيمية التي توجت بحوكمة عديد من القرى على نحو يكفل الاستدامة الرقمية.
استعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار من خلال الورقة البحثية الفرص التي يمكن اقتناصها لتعزيز دور التكنولوجيا المالية في علاج الفجوة الرقمية بين الريف والحضر، حيث أشار إلى أن أهم تلك الفرص هو: “توافر مناخ اجتماعي يضمن انتشار واستدامة الخدمات المالية”، و”توفير مناخ يضمن تحقيق الأمن السيبراني”، و”توافر مصادر التمويل والتي تعد بمثابة محفزات لقطاع التكنولوجيا مالية”، و”توافر مناخ جاذب للاستثمار”، و”اتساع نطاق السوق المصري” والذي يمثل قضية هامة لشركات التكنولوجيا المالية حيث يوفر لهم سبيل للتمويل اللازم للتوسع كما يساعد على توفير الطلب اللازم على خدمات التكنولوجيا المالية”.
كما تناولت الورقة أبرز المعوقات والتحديات التي تواجه التكنولوجيا المالية والتي تمثلت في “ضعف ثقة الأفراد في المعاملات المالية والرقمية”، و”التلازم بين الأمية الرقمية والأمية التقليدية”، و”انتشار عادات وتقاليد من شأنها دفع الأفراد نحو تقليل الاعتماد على المعاملات الورقية وزيادة الاعتماد على المعاملات التقليدية مثل انتشار الجمعيات التشاركية للادخار داخل نطاق الأسر”، و”صعوبة الحصول على تراخيص الإنشاء”، و”قلة انتشار ماكينات الصرافة الآلية”.
كما قدمت الورقة مجموعة من السياسات المقترحة لتعزيز دور التكنولوجيا المالية في تقليص الفجوة الرقمية بين الريف والحضر في مصر وذلك من خلال محورين رئيسين، الأول يتضمن “السياسات المتعلقة بتوفير بنية تحتية تكنولوجية ومالية قوية وكفيلة بتعزيز دور التكنولوجيا المالية” وذلك من خلال الاعتماد على العاملين بالقطاع المصرفي وشركات التكنولوجيا المالية لعلاج الأمية الرقمية، والبدء في استخدام تقنية سلسلة الكتل أو البلوك تشين من خلال تبني القطاع الحكومي تقنية المعاملات الرقمية في إجراء المعاملات الحكومية، وذلك عن طريق تطويع وتوظيف التقنيات المتقدمة المتاحة لتحويل المعاملات الحكومية من دفع وسداد رسوم القطاع الحكومي، وغيرها من المعاملات من دفع الفواتير، والتراخيص، والرعاية الصحية إلى منصة البلوك تشين كخطوة أولى، ثم تعميمها على القطاع الخاص، فضلاً عن تعزيز المدفوعات الرقمية وغير النقدية عن طريق الدفع عبر رمز الاستجابة السريع، وتقديم حوافز وتسهيلات لتشجيع وتأهيل وتدريب الشباب بالريف المصري على إنشاء مشروعات رقمية وشركات التكنولوجيا المالية بالريف المصري، كما يجب حثهم لممارسة الوظائف الرقمية الحرة مع فتح آفاق لتوليد أيدي عاملة متخصصة في مجال التكنولوجيا المالية، وذلك عن طريق المبادرات الرقمية والترويج لها مثل مبادرة «مستقبلنا رقمي » التي دشنتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع UDACITY .
أما المحور الثاني فيتضمن “السياسات المتعلقة بتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية للتكنولوجيا المالية” وذلك من خلال تعظيم إطار التنافسية بين قطاعات التكنولوجيا المالية من خلال وضع ضوابط وقوانين لحماية الابتكار وحقوق الملكية الفكرية في قطاع المعاملات المالية، وتأسيس بيئة تشريعية تدعم استمرار وانتشار التكنولوجيا المالية، وتحسين الجانب التنظيمي لقطاع التكنولوجيا المالية بغرض إحكام الرقابة على المعاملات التكنولوجية الرقمية، وتقديم حوافز للمستثمرين خاصًة في الريف المصري لحثهم على توجيه استثماراتهم نحو تعزيز البنية التحتية التكنولوجية والمعلوماتية بالمناطق الريفية والنائية.