مقالات

قراءة في عملية دمج “اوبر” و”كريم”

على مدار الأعوام السابقة، استمتع مايزيد من ٨٠٠ ألف سائق مصري( بناء على معلوماتي في عملي في كريم من سنة 2016 ) ، وملايين الركاب بخدمات شركتي النقل التشاركي التي قدمتها المتنافستين أوبر وكريم. تنافست الشركتان في تقديم تخفيضات وعروض مميزة للركاب من ناحية، واجتذاب الكباتن والسائقين بعروض مغرية وأجور مرتفعة من ناحية أخرى. التنافس هذا، دفع بالسوق المصري إلى الأمام، وشجع لاعبين جدد ورواد أعمال طامحين لمزيد من الابتكار، في حين دفع المستثمرين إلى الانتباه لمدى أهمية سوق النقل التشاركي.

اليوم، تشهد مصر موت هذه المنافسة وصعود كيان احتكاري شديد الخطورة والضخامة، وذلك  بعد استحواذ أوبر على غريمتها كريم ، وفي هذه المقالة سأستعرض في نقاط سريعة جسامة الأضرار التي سوف تلحق بالمنافسة في السوق المصري من جوانب عديدة مثل المستهلك (الراكب) والسائق والسوق،  وأرجو أن يصل رأيي هذا لأعلي مسئولي الدولة لأخذ القرار السليم في الوقت السليم.

1- البيانات  والأسواق الموازية:   

تشكل ضخامة البيانات التي تسجلها شركة أوبر عن الركاب والسائقين وأماكن تواجدهم، فضلا عن بياناتهم الشخصية مثل كروت الائتمان والبريد الإلكتروني، خطرا وتهديدا ضخما للأمن القومي، خاصة أن شركة أوبر المستحوذة على شركة كريم رفضت بشكل قاطع في بيانها الصادر عند طرح أسهمها في البورصة الأمريكية مشاركة أي نوع من البيانات للجهات الأمنية المصرية. استحواذ شركة واحدة على هذا القدر من البيانات يشكل عائقا أمام أي منافس وافد محتمل.

إضافة لذلك، فإن  حجم البيانات وقوة الكيان المدمج  سيسمح للشركة بالتأثير، وربما السيطرة، على أسواق و صناعات أخرى مجاورة ، مثل المحافظ الإلكترونية، ونقل البضائع، وتوصيل الطلبات و سوق الائتمان و سوق تمويل المستهلك ، والنقل بشكل عام بجميع أنواعه  و يؤدي ذلك لإزالة أي فرصة لدخول منافسين في الأسواق المجاورة وقد يمتد هيمنة الكيان المدمج على هذه الأسواق.

2- التسعير العدواني

كيف يستطيع المنافسين أن يبدأوا  أي عمل في وجود شركة تبيع خدماتها باسعار اقل من التكلفة. سوف يؤدي هذا إلى امتناع أي منافس  من الدخول في السوق كما حدث في شركة (OSTA) و تم بالفعل خروجها من السوق المصري نتيجة ممارسات أوبر في 2016.  علما بأن شركة أوبر قد اقرت في بيانها المقدم إلى هيئة الرقابة المالية الامريكية بعدم تحقيق أي أرباح و استعدادها للخسارة في سبيل منع شركات جديدة الدخول الي السوق.

3- المنافسة وانخفاض أجور السائقين :

إذا وافق الجهاز على هذه الصفقة في مصر سيكون لدي أوبر أكثر من مليون نقلة في اليوم في مصر وأكثر من 800 ألف سائق. لا يمكن أن يكون هناك أي منافس في مصر مع وجود شركة بهذا الحجم. تخيل مثلا أن تقوم إحدى شركات الاتصالات بالاستحواذ على الشركات الأخرى، كيف سيؤثر هذا على مستوى الخدمة والأسعار؟ هذا بالاضافة إن شركة أوبر قد طرحت في البورصة الامريكية مؤخرا و في سبيل الوصول إلى الربحية لن تتحقق إلا بوقف المزايا التي تقدمها للسائقين. أما بالنسبة للسائقين 70٪ من السائقين اشتروا سياراتهم القروض والسلفيات، اعتمادا على علي الدخل العالي من أوبر الذي سوف يقل بطبيعة الحال بعد الاستحواذ.

4- انخفاض الجودة  والابتكار في ظل عدم وجود منافسة

انخفضت جودة أوبر مع مرور الوقت. على سبيل المثال ،كانت أوبر شديدة الحرص على اختيار أنواع سيارات بعينها لخدمة أوبر المميزة UberSelect. تغير الأمر اليوم وبدأت في قبول سيارات أقل جودة.  إن الكيان المدمج قد يستمر في التدهور في المعايير، بالنظر إلى غياب المنافسة الفعالة والرقابة التنظيمية على معايير السلامة ومراقبة الجودة.

وما العمل؟

هنا لابد أن تتدخل الدولة لحماية المنافسة والمستهلك  عن طريق إنشاء كيان وطني يشارك فية كل من القطاع الخاص والدولة بكافة أجهزتها المعنية تحت متابعة ورقابة ” الهيئة القومية للنقل الذكي”، وفي اعتقادي أن هناك كوادر مصرية مؤهلة لقيادة هذة المنظومة.  

ان وقف عمليات الاندماج والاستحواذ الضارة بالمنافسة هو أمر معتاد في الاقتصاديات الحرة بغرض حماية الفرص الاستثمارية التي قد  تتضرر نتيجة انشاء كيان مسيطر علي السوق يستغل قدراته الناتجة عن الاندماج بغرض إقصاء اية منافسة او استثمار محتمل داخل قطاعة.

إن سوق مصر سوق واعد و عملاق وقد استطاعت الشركات العالمية أن تستفيد من هذا السوق و تسيطر عليه في مجال التكنولوجيا لعقود طويلة و لكن تمثل هذة الفرصة في قطاع النقل العملاق هدف كبير جدا لتوفير خدمات تليق بالمواطن المصري و توفير بيئة خصبة للابتكار و حل المشاكل اليومية بأستخدام التكنولوجيا.

و من أهم أهداف قانون حماية المنافسة التي يعني القانون بحمايتها هي المنافسة المحتملة و التي ينص عليها القانون صراحة باعتبارها من أهم عوامل تقييم شكل المنافسة في السوق و حدتها. ان المنافسة المحتملة هي الفرص الاستثمارية المتاحة داخل السوق وقدرة أي مستثمر لدخول السوق ومنافسة أطرافه بفاعلية، ففي حالة انحسار فرص دخول السوق نتيجة أحد القائمين فيه بممارسات احتكارية إقصائية يحرمها قانون حماية المنافسة علي الجهاز ان يتدخل لإعادة حالة المنافسة الطبيعية و فتح الأسواق أمام المستثمرين الجدد.

نحن أمام تحد خطير، و فرصة عملاقة !!

تحد لأن الشركة المسيطرة شركة بعشرات المليارات وعلى استعداد تام للخسارة حتى عام 2024 علي حسب ما نشروه. السؤال الآن من سيدفع فاتورة و حسابات هذة الخسارة ؟ هل هو قطاع تكنولوجيا المعلومات لمرة اخرى ؟ هل هو مجال الإبداع وريادة الأعمال مرة أخرى؟  ماذا نحن فاعلون ام سنكون مفعول بة مرة اخرى !!

 

 

 

بقلم/ وائل فخراني، العضو المنتدب الأسبق لشركة كريم مصر 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى