كانت الأمية اصطلاحاً يشير إلى من لا يستطيع القراءة والكتابة ثم أشير بها فيما بعد مجازاً لمن لا يستطيع التعامل مع الكمبيوتر أو الهاتف الذكي باعتباره لغة العصر، بينما اليوم لم يعد أحد يجهل التعامل مع الكمبيوتر أو الهاتف الذكي الذي أًصبح في يد الجميع كباراً وصغاراً فهو لغة التواصل والعمل وكل شيء.
ولكن عندما تتلاشى الأمية المشار إليها اصطلاحاً أو مجازاً ويصبح الجميع على معرفة جيدة بالقراءة واستخدام التكنولوجيا، فإنه يجب أن نعلم جيداً أن هناك أمية جديدة تلوح مخاطرها في الأفق، قد تأخذ معها الأفراد والمجتمعات إلى الهاوية وتجعلهم دائماً في ذيل الأمم، وتلك الأمية ببساطة هي أمية الأمن السيبراني.
نعم إنها الأمية المعاصرة المتفشية في المجتمعات وبين الأفراد والشركات بشكل يثير معه كثيراً من القلق والذعر، وذلك لأن أسرارك ومعلوماتك التي كانت من المستحيل أن يصل إليها أحد فيما قبل أصبحت اليوم مستباحة وفي مهب الريح إن لم تكن على علم ودراية كافية بالحد الأدنى الذي تستطيع من خلاله حماية تلك المعلومات التي تخص عملك أو حياتك الشخصية.
الكثير ممن يقرأون هذه السطور الآن يرون أنهم لم يتعرضوا لأي هجمات إلكترونية ولا أي عمليات اختراق أو سرقات أو ابتزاز إلكتروني، وهذا صحيح ولكنه لا يعني أن معلوماتهم لم يتم الوصول إليها، إذ ربما تم الوصول إليها ولم يتم استخدامها حتى الآن أو تم استخدامها في بحوث ودراسات، أو تم استخدامها في هجمات وتهديدات تم توجيهها إلى أخرين.
ولكيلا يظن أحد أنه في منأى عن مخاطر أميته بالأمن السيبراني، فيجب العلم أن الإحصائيات تشير إلى أن 70% من الشركات في الشرق الأوسط أعلنت أن الهجمات السيبرانية من أكبر المخاطر التي تواجهها، وقد اعترف 40% من هذه الشركات بتعرضهم لهجمات إلكترونية ناجحة خلال العام الماضي، ومن المتوقع أن تتضاعف الهجمات الفترة المقبلة.
وعلى مستوى العالم تشير التقارير إلى أن تكلفة الهجمات السيبرانية قد تجاوزت 6 تريليونات دولار في عام 2021، ومن المتوقع أن تصل إلى 10.5 تريليون دولار بحلول عام 2025، وبحسب تقرير شركة “Cybersecurity Ventures”فإن عدد الهجمات السيبرانية سنويًا سيرتفع بشكل كبير، مما يستدعي زيادة التوعية وضخ استثمارات أكبر في الأمن السيبراني.
وتواجه دول العالم بما فيها مصر، تحديات متعددة في مواجهة الهجمات السيبرانية، من بينها نقص المهارات والخبرات في هذا المجال، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية التكنولوجية، ولكن من الممكن التغلب على هذه التحديات من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب، وتطوير التشريعات والسياسات المناسبة لحماية المعلومات.
وختاماً فإن المعرفة بالأمن السيبراني لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة ملحة وأمية معاصرة في لغة التكنولوجيا، يجب محوها ونشر الوعي بضروريات وآليات حماية البيانات والمعلومات، مع ضرورة الاستثمار في الأمن السيبراني الذي سوف يعزز الثقة في التحول الرقمي ويشجع على الابتكار والنمو الاقتصادي.
بقلم المهندس محمد المفتي
رئيس مجلس إدارة شركة ICT Misr المتخصصة في الحلول التكنولوجية والبنية التحتية الرقمية