مع تنامي أهمية التحول الرقمي في مجال التعافي الاقتصادي والاستثمار، أصبح الابتكار المشترك والتعاون بين القطاعين العام والخاص أولوية رئيسية، لا سيما وأن قرارات اليوم ستترك آثارها على الأجيال القادمة، تلك الأجيال الرقمية التي ندين لها ببناء مجتمعات واقتصادات مناسبة.
الحقائق القاسية تتطلب مستويات قوية من التعاون
لا شك بأن طريق التعافي الاقتصادي الكامل يزخر بالتحديات، حيث يشير تقرير المخاطر العالمية لعام 2022 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أن الاقتصاد العالمي سيكون بحلول عام 2024 أصغر بنسبة 2.3٪ مما كان يمكن أن يكون عليه لولا انتشار جائحة كوفيد-19. وهذه النسبة لا تلحظ تأثير حالة عدم التيقن الجيوسياسية العالمية الراهنة، والصراعات والاضطرابات التي تلف العالم أجمع. وعلى الرغم من ذلك، فإن التكنولوجيا والأعمال القائمة على التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تساعد في تقليل هذا التأثير، وخلق فرص عمل وفرص اقتصادية في جميع أنحاء العالم، إذا تم تنفيذها بصورة جيدة. وفي الوقت الذي نسعى فيه إلى إعادة بناء اقتصادات عالمية مزدهرة، والتصدي لبعض التحديات الأكثر إلحاحاً، فإن التكنولوجيا تلعب دوراً رئيسياً كجسر يوحّد مستقبلنا الرقمي الذي ننشده.
وسوف يكون التحول الرقمي المستمر للحكومات نقطة انطلاق مهمة لتعزيز التغيير والتطوير على المدى المتوسط والطويل. وقد علمتنا الأحداث التي شهدها العالم خلال العامين الماضيين أن الابتكار والتعطش للتغيير ينبغي أن يتم بوتيرة متسارعة وبدون توقف.
كما أننا نشهد قيام العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا بتصميم وتنفيذ استراتيجيات تعافٍ اقتصادي لتعزيز مرونة اقتصاداتها، لذا فليس من المستغرب أن نرى تركيزاً حقيقياً في هذه الدول على التكنولوجيا والاتصال وسد الفجوات الرقمية يجتاح جميع المجالات تقريباً. ومن الرائع أننا نعيش اليوم في عالم يمكننا أن نرى فيه ثمار التحول الرقمي بأم أعيننا، حيث بتنا نستطيع تثبيت موعد مع الطبيب عبر الإنترنت، ونحن نرى أيضاً كيف أن مكالمات الفيديو للعمل أصبحت نموذجاً طبيعياً في العالم أجمع، فضلًا عن استخدامها للتواصل بفاعلية أكبر مع العائلة، إلى جانب تحول العديد من الخدمات الأساسية وسلاسل التوريد إلى نماذج رقمية، ولهذا فإننا نستطيع اليوم وبكل ثقة أن نحلم بما هو أبعد بكثير من هذا.
حلول تستند إلى التكنولوجيا للتصدي للتحديات العالمية
ينطوي قطاع التكنولوجيا على قدرة هائلة على التصدي لهذه التحديات وإحداث تأثير حقيقي وملموس. ومع نضوج التقنيات الناشئة وتنامي قدرتها على دعم تطوير ابتكارات هامة وحيوية، فقد بات بإمكانها تقديم الحلول التي نحن بأمس الحاجة إليها. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحويل قطاع الرعاية الصحية، كما يمكن أن تطلق الحوسبة الطرفية العنان للقوة الكاملة لإنترنت الأشياء لدعم عمليات المراقبة البيئية والنمذجة المناخية وقطاع النقل، والإدارة المستدامة للموارد. ومع انتشار قدرات اتصال الجيل الخامس في العديد من الدول، فإن ذلك يتيح إطلاق احتمالات لا حصر لها، لا سيما عندما يتم بناء هذه القدرات على أساس متين يوفر مرونة إلكترونية وقدرات تخزين بيانات من خلال بنية تحتية متعددة السحابة.
وعدا عن كل الحلول التي يمكن أن توفرها، يشير استطلاع رأي أجرته شركة PwC للاستشارات إلى أن 71٪ من الرؤساء التنفيذيين على مستوى العالم يتوقعون أن يكون نقص المهارات هو أكبر مشكلة تواجه الشركات في عام 2022، لذا فإن بناء قوة عاملة ماهرة وقابلة للتكيف هو أمر في غاية الأهمية لمواجهة هذا التحدي. كما يشير الإصدار الخامس والعشرين من استطلاع رأي شركة PwC لمنطقة الشرق الأوسط، إلى أن 46٪ من قادة الأعمال يخططون لتنفيذ استثمارات كبيرة في مجال القيادة وتنمية المواهب على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بـ 30٪ في العام الماضي.
وينبغي العمل على تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في إطار برامج تنمية المهارات، وذلك لزيادة فرص العمل المتوفرة. ويذكر تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أن صقل المهارات وإعادة تأهيل القوى العاملة بنجاح يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الإنتاجية العالمية بنسبة تصل إلى 3٪ بحلول عام 2030، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما لا يقل عن 6.5 تريليون دولار، وإضافة 5.3 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم. وتقع على عاتقنا كصناعة مسؤولية تقليل فجوة المهارات الحالية، إلا أنه من العدل القول بأنه لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا.
وبالفعل، فإن معظم الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا تقوم باستثمارات كبيرة لدعم وتمكين القوى العاملة وإعدادها للمستقبل.
وعلى سبيل المثال، تقوم الحكومة المصرية، كجزء من إستراتيجية “مصر الرقمية”، بضخ سلسلة من الاستثمارات الكبرى في تعليم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد صممت تلك البرامج لتقوية وتنويع اقتصاد الدولة من خلال تعزيز المعرفة والابتكار في هذا المجال. ويعمل مشروع “مصر الرقمية” على تنمية المهارات التقنية لشريحة كبيرة من الشباب التي يحتاجها للتميز في سوق العمل القائم على التكنولوجيا. وتقود هذه المبادرات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إطار الجهود المبذولة لتطوير الاقتصاد المحلي.
ونحن بحاجة إلى ضمان تطوير مهاراتنا ووتيرة تقدمها بالحجم والسرعة ذاتها، وذلك من أجل تعزيز إمكانات الأفراد وحلولنا التقنية المتطورة باستمرار لخدمة التقدم الاقتصادي. فتقدم البشرية هو في صميم تقدمنا الرقمي.
ومع دخولنا مرحلة التنفيذ والمرحلة العملية للتعافي الاقتصادي من آثار الجائحة بطموحات كبيرة، فإن التصميم والشراكة والرؤية المشتركة القائمة على الثقة تعد أمراً جوهرياً في هذا السياق. ولن نستطيع تحقيق التعافي الاقتصادي بالشكل المطلوب وتقديم اقتصاد يستند إلى التحول الرقمي، مدعوم بالاستدامة والمهارات ويحقق الشمولية للجميع إلا من خلال تضافر الجهود والتعاون فيما بيننا. وجدير بالذكر أن اقتصادات الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا تمر بنقطة تحول مفصلية في تاريخها، حيث أصبحت الحلول الرقمية الضرورية لتحقيق الازدهار في هذا العقد في متناول الجميع، وهذه لحظة حساسة للغاية وينبغي علينا استغلالها بشكل مشترك لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة.
بقلم: محمد أمين، نائب الرئيس الأول لشركة دِل تكنولوجيز في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا