إذا كان المسلمون يحجون إلى البيت الحرام، ويقصد الأقباط القدس الشريف، فإن حج المعلوماتيين هو إلى Cairo ICT — المعرض الذي صار بمرور الزمن قبلة التكنولوجيا في الشرق الأوسط وأفريقيا، ومهد الأفكار والابتكارات التي صنعت التحول الرقمي في مصر والمنطقة.
على مدار تسعة وعشرين عامًا بالتمام والكمال، ظل معرض ومؤتمر القاهرة الدولي للتكنولوجيا شامخًا، لا يعرف التوقف ولا الغياب، مهما عصفت الأزمات أو تبدلت الظروف أو اشتعلت الثورات. عامًا بعد عام، كان “كايرو آي سي تي” يثبت أنه أكثر من مجرد حدث، بل حالة وعي تكنولوجي متجددة، تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والتقنية، وبين الدولة والمستقبل.
أتذكر جيدًا أول دورة حضرتها في مطلع الألفية الجديدة، تحديدًا عام 2000، عندما كنت أخطو خطواتي الأولى في بلاط صاحبة الجلالة. كنت أنصت بانبهار إلى مهندس الوعي التكنولوجي في مصر- كما أحب أن ألقبه- أسامة كمال، وهو يردد الاسم القديم للمعرض “كايرو تيليكومب”، قبل أن يتحول لاحقًا إلى الاسم الأشمل والأكثر عمقًا: Cairo ICT.
منذ ذلك الحين، تحوّل المعرض إلى ذاكرة وطن رقمية، ترصد كيف انتقلت مصر من عصر الهاتف الأرضي إلى عصر الذكاء الاصطناعي، ومن المقسمات الميكانيكية إلى المدن الذكية، ومن خدمة العملاء التقليدية إلى مراكز التسليم الرقمية والروبوتات الذكية.
كايرو آي سي تي لم يكن مجرد معرض تكنولوجي، بل رحلة وعي ونضوج بدأت بوليد صغير عام 1996، وسرعان ما كبر ونضج حتى صار منصة عالمية يقصدها الرؤساء والوزراء، والمبتكرون، ورواد الأعمال، وعشاق التقنية، ليعلنوا منها رؤى التحول الرقمي، وخطط المستقبل، وحلم مصر الرقمية.
كل دورة من “كايرو آي سي تي” كانت علامة مضيئة في سجل التحول الرقمي، وجسرًا بين ما نملكه اليوم وما نحلم به غدًا. ومع كل دورة جديدة، يثبت المعرض أنه أكثر من مجرد حدث سنوي — إنه ذاكرة أمة تسعى إلى المستقبل.
لم يكن استمرار “كايرو آي سي تي” وازدهاره على مدار ما يقارب ثلاثة عقود صدفة، بل هو انعكاس مباشر لاهتمام الدولة المصرية وقيادتها السياسية بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ذلك القطاع الذي لم يعد هامشيًا أو تكميليًا، بل أصبح اليوم ركيزة رئيسية في بنية الاقتصاد الوطني، وواحدًا من أسرع القطاعات نموًا في الدولة.
فالقيادة السياسية تضع هذا القطاع نصب عينيها باعتباره محركًا أساسيًا للتنمية، وجسرًا للانتقال نحو “مصر الرقمية” التي تتبنى مفاهيم الذكاء الاصطناعي، والخدمات الحكومية المميكنة، والتحول نحو الاقتصاد غير النقدي. هذا الاهتمام لم يأتِ من فراغ، بل تجسد في استثمارات ضخمة، ومبادرات وطنية، ومشروعات استراتيجية تهدف إلى تعميق الصناعة المحلية، وتوسيع قاعدة الابتكار، وتمكين الشباب من أدوات المستقبل.
ورغم ما مرّ به العالم من أزمات اقتصادية وجيوسياسية متلاحقة، ظل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر ينمو بوتيرة متسارعة، ويحقق معدلات نمو تتجاوز العديد من القطاعات التقليدية. لقد نجح هذا القطاع في أن يكون أحد أبرز المساهمين في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة يمكن وصفها بأنها كبيرة وذات أثر واضح، ليس فقط من حيث الأرقام، بل أيضًا من حيث القيمة المضافة في رفع كفاءة الخدمات، وتعزيز الشمول المالي، وتوسيع قاعدة التصدير الرقمي للخدمات.
إن هذا الاهتمام الرسمي المتواصل يعكس رؤية واعية للدولة بأن التكنولوجيا لم تعد ترفًا، بل لغة المستقبل ومفتاح التنمية الشاملة، ومن هنا يأتي الدعم اللامحدود لمعارض كبرى مثل “كايرو آي سي تي”، التي أصبحت المنصة الوطنية التي تجتمع فيها الحكومة والقطاع الخاص والمستثمرون والعقول الشابة، لتصوغ معًا ملامح المستقبل الرقمي لمصر.
تحية لكل من حافظ على وهج هذا الكيان ثلاثين عامًا إلا واحدة، وتحية خاصة إلى من حلم، ففكّر، فأنشأ، فصنع قبلة المعلوماتيين في مصر والعالم العربي.
بقلم : محمد لطفي
رئيس تحرير مجلة ومنصة ICTBUSINESS
رئيس شعبة صحفي الاتصالات بنقابة الصحفيين
