تقرير يكتبه : محمد لطفي
يترجل المهندس محمد نصر عن مقعد الرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات اليوم في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات في الأوساط الاقتصادية والإعلامية، خصوصًا أن قرار المغادرة جاء دون إعلان أسباب رسمية واضحة. إلا أن متابعين لقطاع الاتصالات يرجّحون أن يكون حادث حريق سنترال رمسيس في 7 يوليو الماضي، الذي أودى بحياة أربعة من موظفي الشركة، أحد أبرز العوامل التي عجّلت برحيله عن منصبه.
ينتمي محمد نصر إلى جيل القيادات الشابة التي نشأت داخل المصرية للاتصالات وتدرجت في مواقعها القيادية. فقد انضم إلى الشركة في عام 2004، بعد ثلاث سنوات من تخرجه في كلية الهندسة بجامعة الأزهر عام 2001، حيث حصل على درجة البكالوريوس في هندسة الاتصالات، قبل أن يعزز خبراته الأكاديمية بدراسة الماجستير في إدارة الأعمال.
وعلى مدى نحو عقدين، تقلد نصر عدة مناصب داخل قطاعات الشركة، حيث عرف عنه إلمامه الجيد بالجوانب الفنية والإدارية على حد سواء. وتمت ترقيته في مارس 2023 إلى منصب الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة المصرية للاتصالات، في مرحلة كانت الشركة تسعى فيها إلى تثبيت أقدامها كرائد إقليمي في مجال خدمات الاتصالات والكوابل البحرية والتحول الرقمي.
منذ جلوسه على كرسي الإدارة التنفيذية في 28 مارس 2023، قاد نصر الشركة في فترة مليئة بالتحديات، حيث واجهت المصرية للاتصالات ضغوطًا متزايدة لتطوير بنيتها التحتية الرقمية، ومواكبة الزيادة الكبيرة في الطلب على خدمات الإنترنت وخدمات مراكز البيانات.
كما عمل على مواصلة توسع الشركة في قطاع الكوابل البحرية، وهو المجال الذي يعد أحد أهم مصادر دخلها بالعملة الصعبة، وساهم في ترسيخ مكانتها كمحور رئيسي لحركة الإنترنت بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ورغم أن فترة ولايته لم تتجاوز العام ونصف العام، فإنها شهدت أيضًا محاولات لإعادة هيكلة بعض القطاعات الداخلية، إلى جانب سياسات للتحول الرقمي وتطوير الخدمات الرقمية المقدمة للأفراد والشركات.
غير أن حادث حريق سنترال رمسيس الذي وقع في 7 يوليو 2025 بدا أنه شكّل نقطة فاصلة في مسيرة نصر. فقد تسبب الحريق في وفاة أربعة موظفين من الشركة وإصابة آخرين، فضلًا عن خسائر تشغيلية وفنية أثرت على الخدمة في بعض المناطق الحيوية.
الحادث أثار جدلاً واسعًا حول إجراءات السلامة والأمان داخل المرافق التابعة للمصرية للاتصالات، وألقى بظلاله الثقيلة على سمعة الشركة التي لطالما ارتبطت باعتبارها عمود البنية التحتية لقطاع الاتصالات المصري.
ورغم فتح تحقيقات موسعة للوقوف على ملابسات الحريق، فإن غياب التوضيحات الرسمية بشأن أسبابه النهائية ترك الباب مفتوحًا أمام التأويلات. ويبدو أن الضغوط التي تبعت الحادث، سواء من الرأي العام أو من داخل أروقة الدولة، أسهمت في تسريع رحيل الرئيس التنفيذي.
خروج ليس آمن
رحيل محمد نصر عن قيادة المصرية للاتصالات يأتي في توقيت بالغ الحساسية، إذ تشهد الشركة مرحلة مفصلية مع تسارع خطط التحول الرقمي على مستوى الدولة، وتزايد المنافسة مع شركات المحمول الأربع في السوق المحلي.
ويؤكد مراقبون أن خروج نصر قد لا يكون مرتبطًا فقط بالحادث المأساوي، بل أيضًا برغبة الدولة في الدفع بدماء جديدة داخل قيادة الشركة لمواجهة المرحلة المقبلة التي تتطلب إدارة أكثر مرونة وحسمًا في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية.
برغم قصر فترة ولايته على رأس المصرية للاتصالات، يبقى محمد نصر واحدًا من الكوادر التي صنعت داخل الشركة نفسها، وارتبطت مسيرته بها منذ بدايته المهنية. فهو نموذج للقيادي الذي جمع بين الخلفية الهندسية والفكر الإداري، وسعى إلى دفع الشركة لمزيد من التوسع والابتكار.
ومع مغادرته، يفتح المشهد الباب أمام أسئلة كبرى: من سيخلفه على مقعد الرئيس التنفيذي؟ وهل ستتمكن الشركة من تجاوز تداعيات حادث رمسيس سريعًا واستعادة ثقة الرأي العام؟ أم أن المرحلة المقبلة ستفرض إعادة ترتيب الأولويات داخليًا وخارجيًا؟
سواء كان رحيله نتيجة مباشرة لأحداث سنترال رمسيس أو نتيجة مزيج من الاعتبارات، فإن مغادرة المهندس محمد نصر تظل حدثًا مهمًا في مسيرة قطاع الاتصالات المصري. فهي تعكس حساسية العلاقة بين الأزمات التشغيلية وبين مصير القيادات، كما تذكّر بأن التحول الرقمي والريادة التكنولوجية لا ينفصلان أبدًا عن إدارة المخاطر وضمان سلامة العاملين.
ويظل حريق سنترال رمسيس لغزًا لم يتم فك طلاسمه حتى اليوم.











