
كتبت: مروة منير
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عدداً جديداً من مجلة أفاق اقتصادية تضمن مجموعة من العروض ومقالات الرأي والمؤشرات حول موضوع التجارة الإليكترونية عالميًا وتوقعات نموها، موضحاً خلال الإصدارة أن التجارة الإلكترونية شهدت تحولاً جذريًا خلال السنوات الأخيرة، لتصبح من مجرد نشاط بيع عبر الحدود إلى تجربة عالمية متكاملة تضع المستهلك في مركز الاهتمام، وأدت الرقمنة المتسارعة وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي إلى إعادة تعريف مفهوم التسوق الإلكتروني، بحيث بات بإمكان أي مستخدم طلب منتج من قارة أخرى واستلامه خلال أيام ضمن رحلة تسوق مخصصة ومدعومة بخيارات دفع محلية مألوفة.
وأوضحت إحدى العروض داخل الإصدارة أن حجم سوق التجارة الإلكترونية العالمية قد بلغ نحو 4.12 تريليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 6.48 تريليون دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.49%، وتتماشى هذه القفزة مع التوسع المستمر في استخدام الإنترنت والهواتف الذكية وتزايد الاعتماد على المحافظ الرقمية التي شكلت 50% من معاملات التجارة الإلكترونية في 2023 مع توقعات بأن تصل حصتها إلى 82% بحلول 2030.
وأمام هذا التغير الهائل بات من الضروري على شركات التجارة الإلكترونية أن تتابع التوجهات الجديدة وتتكيف مع التقنيات الحديثة، وتستثمر في الشراكات الاستراتيجية لتخطي التحديات المرتبطة بالدفع عبر الحدود والامتثال التنظيمي ومكافحة الاحتيال وتحسين تجربة العملاء.
وتشير التوقعات إلى استمرار النمو القوي في مبيعات التجارة الإلكترونية عالميًا، ومن المتوقع أن تصل مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية إلى 8.5 تريليون دولار بحلول عام 2026 مما يعكس التحول المتزايد في سلوك المستهلكين نحو التسوق عبر الإنترنت، هذا الاتجاه التصاعدي لا يقتصر على حجم المبيعات فحسب بل يشمل أيضًا الزيادة المستمرة في أعداد المتسوقين الرقميين حول العالم وهو ما يعكس انتشار ثقافة الشراء الإلكتروني واعتمادها كخيار أساسي لدى شريحة واسعة من السكان، ومن المتوقع أن يصل أعداد المتسوقين الرقميين حول العالم إلى 2.86 مليار في 2026، هذا، ومن المتوقع أن تشكل التجارة الإلكترونية 21% من إجمالي مبيعات التجزئة عالميًا في 2025، مقارنة بـ 20.1% في 2024 ونحو 18.8% في 2021، وتظهر البيانات زيادة سنوية ثابتة بمعدل 0.32%، مع توقع أن تبلغ 22.6% في عام 2027، مما يعكس تحولًا متزايدًا نحو البيع الرقمي على حساب المتاجر التقليدية.
استعرض التقرير أفضل الدول من حيث حجم سوق التجارة الإلكترونية ونموها حيث تتصدر الصين القائمة بـ 904.6 مليون متسوق أي ما يقرب من ثلث مستخدمي التجارة الإلكترونية في العالم، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بـ 288.45 مليون، وفي هذا الصدد بلغ إجمالي مبيعات التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية 1.192 تريليون دولار في عام 2024، ويتوقع أن ترتفع إلى 1.29 تريليون في 2025، وتمثل التجارة الإلكترونية 22.6% من إجمالي مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم هيمنة الصين على المبيعات ستصبح أمازون أكبر شركة خدمات استهلاكية عبر الإنترنت في عام 2025 بقيمة تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، في حين بلغت القيمة السوقية لشركة علي بابا 258.85 مليار دولار اعتبارًا من أبريل 2025، وفي الوقت نفسه من المتوقع أن تشهد دول مثل الهند والمكسيك وروسيا وتايلاند أعلى معدلات النمو السنوي المركب حتى عام 2029 مما يشير إلى فرص قوية للتوسع الدولي.
وفيما يتعلق بالفئات الأكثر مبيعًا في عام 2025، تعد قطاعات السيارات والأغذية والملابس هي الأسرع نموًا في مجال التجارة الإلكترونية، فقد شهدت مبيعات السيارات والأغذية والمشروبات زيادات ملحوظة في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع نمو مبيعات السيارات بنسبة 18.8% في عام 2026 مع توقع نمو قطاع الأغذية والمشروبات بنسبة 16.3% في عام 2026، وجدير بالذكر أنه بحلول نهاية عام 2025 من المتوقع أن ينمو كل من قطاع الملابس وقطاع الصحة والعناية الشخصية والجمال بنسبة 14.1%.
وأوضح التقرير أن التجارة عبر الهاتف المحمول (mCommerce) أصبحت الركيزة الأساسية للتجارة الإلكترونية العالمية حيث تمثل غالبية المعاملات الإلكترونية في الأسواق المتقدمة والناشئة، ومع تزايد انتشار الهواتف الذكية وتطور مواقع الويب المخصصة للجوال لتكون أسرع وأكثر سلاسة واعتماد المحافظ الإلكترونية، بات من الضروري أن تركز الشركات على تقديم تجربة مستخدم متكاملة عبر الهاتف المحمول، أما الشركات التي تهمل هذا الجانب فإنها تعرِّض نفسها لخطر فقدان المنافسة والتخلف عن متطلبات السوق الحديثة.
وقد ارتفعت قيمة التجارة الإلكترونية عبر الهاتف المحمول في الولايات المتحدة الأمريكية، من 362 مليار دولار في عام 2021 إلى 604.5 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 710 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2025، وقد ظل نمو التجارة الإلكترونية عبر الأجهزة المحمولة في الولايات المتحدة الأمريكية ثابتًا منذ عام 2020، ومن المتوقع أن يمثل أكثر من 40% من إجمالي مبيعات التجارة الإلكترونية بالتجزئة في البلاد من عام 2023 إلى عام 2026.
واستعرض تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار حجم سوق التجارة الإلكترونية وفقًا لكل منطقة، حيث سجلت منطقة آسيا والمحيط الهادي أكبر مساهمة في سوق التجارة الإلكترونية العالمي لعام 2023، بحصة تجاوزت 57% من إجمالي الإيرادات، وقد بلغ حجم السوق في هذه المنطقة نحو 9.29 تريليون دولار أمريكي عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 42.82 تريليون دولار بحلول عام 2034، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 15.1% خلال الفترة من 2024 إلى 2034.
اتصالًا، يرتقب أن تواصل آسيا والمحيط الهادي هيمنتها على السوق خلال فترة التوقعات مدفوعة بازدياد معدلات التحضر وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية للشبكات في دول رئيسة مثل الهند والصين واليابان، وقد ساهمت مبادرات حكومية مثل برنامج “الهند الرقمية” في رفع عدد اتصالات الإنترنت إلى 850 مليون اتصال في عام 2022 مما يدعم نمو التجارة الإلكترونية.
أما في أمريكا الشمالية يُتوقع أن تحتفظ السوق بمكانة بارزة خلال فترة التوقعات معززة ببنى تحتية رقمية قوية ووجود شركات عملاقة مثل (أمازون وولمارت وإيباي)، وقد استحوذت “أمازون” وحدها على حصة سوقية بلغت 37.8% من تجارة التجزئة الإلكترونية، وساهمت جائحة كوفيد – 19- في تسريع وتيرة نمو التجارة الإلكترونية بالمنطقة، وبالنسبة لأوروبا يلعب انتشار استخدام الإنترنت والخدمات الرقمية دورًا رئيسًا في تعزيز نمو سوق التجارة الإلكترونية، وتشهد القارة توسعًا ملحوظًا في خدمات التوصيل والدفع الإلكتروني مما يسرِّع تحول سلوك المستهلكين نحو التسوق عبر الإنترنت، وفي أمريكا اللاتينية تزداد فرص التجارة الإلكترونية مع انتشار الهواتف الذكية وتحسن خدمات الإنترنت كما تركز المبادرات الحكومية في بعض الدول على دعم التحول الرقمي وتعزيز حلول الدفع الإلكترونية مما يفتح آفاقًا جديدة لنمو السوق، أما في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا فيتوقع أن تحقق التجارة الإلكترونية نموًا ملحوظًا بفضل ارتفاع نسبة الشباب في التعداد السكاني وتزايد انتشار الهواتف الذكية إلى جانب مبادرات رقمية حكومية تهدف إلى تحسين الوصول إلى الإنترنت والخدمات الإلكترونية.
وتناول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار خلال التقرير التحديات التي تواجه التجارة الإلكترونية العالمية وجاء من أبرزها:
(1- اشتداد المنافسة: ارتفاع عدد المتاجر الإلكترونية؛ مما يتطلب تطوير العروض وطرق البيع لجذب العملاء،
2- تعقيد دمج الذكاء الاصطناعي والأتمتة: صعوبة في تطبيق تقنيات مثل روبوتات المحادثة ومحركات التوصية بسلاسة،
3- تحقيق رضا العملاء: تزايد صعوبة تلبية توقعات العملاء من حيث تعدد خيارات الدفع، سرعة التسليم وشفافية تتبع الطلبات، 4- مخاطر التحقق من الهوية: من انتشار الاحتيال وسرقة البيانات، مما يفرض الحاجة لاستثمارات مكلفة في التحقق من الهوية،
5- تحديات لوجستيات الإرجاع: ارتفاع معدلات الإرجاع الإلكتروني إلى نحو 30%، ما يتطلب سياسات إرجاع سهلة وواضحة، 6- التكيف مع التكنولوجيا الحديثة: وضرورة مواكبة التطورات السريعة في السوق الرقمي لتجنب فقدان العملاء،
7- التهديدات الأمنية وحماية البيانات: وتصاعد خطر الهجمات السيبرانية والاختراقات مما يستدعي إجراءات حماية متقدمة،
8- اضطرابات سلاسل التوريد: تأثير الأحداث العالمية على الإمدادات يتطلب خطط طوارئ وتنوع الموردين،
9- تطور التجارة عبر الهواتف المحمولة: وضرورة تحسين الأداء على الأجهزة المحمولة، ومواكبة استخدام التطبيقات والمساعدات الذكية، 10- التعقيدات في التوسع عبر الحدود: واختلاف الأنظمة الضريبية وأسعار الصرف والعقبات اللوجستية في الأسواق الدولية).
كما أوضح التقرير في ختامه أن التجارة الإلكترونية العالمية في عام 2025 تظهر وجهين متلازمين فمن جانب إيجابي، تتيح هذه الصناعة فرصًا هائلة للنمو والابتكار عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوسع الهواتف المحمولة، وزيادة الطلب على التسوق الرقمي، كما تدعمها مبادرات حكومية متزايدة وبنى تحتية تقنية متطورة، مما يفتح أمام الشركات آفاقًا جديدة للوصول إلى أسواق أوسع وتحقيق معدلات نمو غير مسبوقة، في المقابل تفرض تحديات خطيرة تهدد استمرارية النجاح مثل اشتداد المنافسة وتصاعد تهديدات الأمن السيبراني وصعوبة تلبية توقعات المستهلكين، إلى جانب اضطرابات سلاسل الإمداد وتعقيدات التجارة عبر الحدود، هذه التحديات تتطلب من الشركات جاهزية دائمة واستثمارًا مستمرًا في الابتكار وقدرة على التكيف مع تحولات السوق بسرعة وكفاءة، هكذا، تظل التجارة الإلكترونية قطاعًا واعدًا، وفي الوقت نفسه تظل ميدانًا تنافسيًا شرسًا لا يكافئ إلا أولئك الذين يوازنون بين استغلال الفرص ومواجهة المخاطر بحكمة ومرونة.









