يستمر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، في استكتاب كبار الخبراء والمتخصصين في مختلف المجالات من خلال إصدارته “بقلم خبير”، وهي إصدارة إليكترونية نصف شهرية أوضح المركز أنها تناقش أحد الموضوعات المطروحة على الساحة من كافة الجوانب لتقدم رؤية متكاملة بشأن هذا الموضوع من وجهة نظر “خبير”، وقد قام المركز في هذا العدد باستكتاب الدكتور محمد سالم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق والذي تناول مقالًا بعنوان “اتجاهات التحـول الرقمي 2024: الذكاء الاصطناعي إلى أين؟”.
أوضح المركز خلال الإصدارة أنه في ضوء التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي من تطور هائل، تزايد الاعتماد على تطبيقاته في مختلف المجالات والقطاعات الحيوية كتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنقل وأنظمة الرعاية الصحية بالإضافة إلى تحسين الكفاءة الإنتاجية في الصناعات المختلفة، ما من شأنه الإسهام في إحداث ثورة في إنجاز الأعمال وتقديم الخدمات والارتقاء بجودة الحياة البشرية.
وتُشير التوقعات إلى أنه بنهاية عام 2024، ستشهد اتجاهات التحول الرقمي تقدمًا ملحوظًا بفضل التكامل المتزايد لأنظمة الذكاء الاصطناعي؛ نتيجة قيام الشركات والمؤسسات المعنية بمحاولة تطوير تلك الأنظمة وتلافي الأخطاء ومواجهة التحديات المحدقة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة اليومية، واستخلاص رؤى قابلة للتنفيذ ممّا يساعد على اتخاذ قرارات أكثر دقة والتصدي للتهديدات بصورة استباقية.
وتأسيساً على ذلك تسعى هذه الإصدارة إلى تسليط الضوء على اتجاهات التحول الرقمي خلال عام 2024 من خلال تناول ما شهدته تطبيقات الذكاء الاصطناعي من تطور خلال عام 2023 وتوضيح العوامل الحاكمة لهذا المجال، فضلاً عن تناول أبرز التوقعات الخاصة بالتحول الرقمي خلال 2024 على مختلف الأصعدة الإنتاجية والتكنولوجية والتشريعية والأخلاقية مع إبراز المخاوف الحالية من تطور تطبيقات الذكاء الإصطناعي بما يجعلها تخرج عن نطاق السيطرة البشرية.
وقد تناول الدكتور محمد سالم خلال مقاله ما شهدته تطبيقات الذكاء الاصطناعي من تطور خلال عام 2023 وتوضيح العوامل الحاكمة لهذا المجال والتي تمثلت في:
-إن الإعلان عن تطبيق “CHAT GPT” في نهاية عام 2022 مستخدمًا تكنولوجيا “المحولات التوليدية” إنما هو في الأساس بداية تغير جذري في استخدامات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بسبب محور وأساس عمله والذي يفتح الطريق أمام الآلة ليتخطى ذكاؤها الذكاء البشري.
-معدل التطور غير المسبوق في هذا المجال نتيجة لتوفر البنى التحتية اللازمة لتحقيق ذلك، اعتبارًا من البنية التحتية للاتصالات ومرورًا بتقنيات الحوسبة الكمومية ومنتهيًا بالخبراء والقدرات البشرية المتوفرة للتعامل مع الكميات الهائلة للبيانات التي تحتاج إليها هذه التطبيقات.
-توفير التمويل الازم، والذي يوجَّه أكثر من 95% منه لإنتاج هذه التطبيقات (الـ 5% الباقية على الأكثر تُستخدم لمواجهة آثار الذكاء الاصطناعي السلبية).
-التنافسية غير المسبوقة أيضًا بين عملاقي التكنولوجيا شركة جوجل، وشركة “أوبن إيه أي” المدعومة كاملًا من شركة ميكروسوفت من ناحية وبين الدول المنافسة مثل الصين وروسيا من ناحية أخرى.
-الاستثمار الهائل في هذا المجال على مستوى الحكومات والدول، وأخص هنا بالذكر الصين التي تتصدر هذا المجال -وإن أنكر الأمريكيون ذلك تارة واعترفوا به تارة أخرى- ويكفي أن نعلم أن الاحتياطي الصيني المركزي من العملات الصعبة في ديسمبر الماضي كان 3.24 تريليونات دولار.
-وأخيرًا فمن المؤكد أن معدل استخدام الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية أصبح على نحو غير مسبوق، إلا أن تطوير هذا المجال فيما يتعلق بالقدرات العسكرية دائمًا يخضع للسرية لأنه يتعلق بمسائل ترتبط بالأمن القومي للدول.
وبناء على ما سبق أشار الدكتور محمد سالم من خلال مقاله إلى أبرز التوقعات الخاصة بالتحول الرقمي خلال العام الجاري 2024 على مختلف الأصعدة مع إبراز المخاوف الحالية من تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي بما يجعلها تخرج عن نطاق السيطرة البشرية، وذلك على النحو التالي:
-إنتاجيًا: كما هو الحال حاليًّا في استخدام تطبيق “Chat GPT” وقدرته المتطورة على إنتاج نصوص كتابية تحقق الأهداف المطلوبة، فإن الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي التوليدي سوف يصبح متعدد الوسائط، وستكون هذه التطبيقات قادرة على تنسيق المدخلات المختلفة مثل النص والصوت والألحان والإشارات المرئية، وقادرة أيضًا على كتابة روايات معقدة وحتى تصميم السيمفونيات الموسيقية وإنتاج بعض الأفلام السينمائية، مما يعد ثورة ويفتح المجال أمام قيام الشركات بتعزيز الإنتاجية ودعم الابتكار وتحفيز الإبداع.
-تكنولوجيًا: سوف يتطور الذكاء الاصطناعي الكمي فالذكاء الاصطناعي عمومًا يحتاج إلى قدرة حاسوبية هائلة وليس هناك أقدر من الحوسبة الكمومية على تحقيق ذلك وذلك يفسر سبب الطفرة الحالية في إنتاج الأبحاث في هذا المجال وأيضًا المنافسة الصامتة والشرسة بين الصين ببنيتها البحثية العملاقة وأقطاب تكنولوجيا المعلومات الأمريكيين، مثل شركتي “IBM” و “Google AI” في مجال تطوير الحوسبة الكمومية، فهي تنتقل بسرعة إلى طليعة أبحاث الذكاء الاصطناعي وبالتالي سنشهد قفزات هائلة في قدرات الذكاء الاصطناعي خاصًة في المجالات التي تتطلب حل المشكلات المعقدة التي يمكن أن تتعامل معها الحوسبة الكمومية.
-تشريعيًا: إن تطور الذكاء الاصطناعي غير المسبوق لا يشكل مصدرًا أساسيًّا لجذب مستخدميه حول العالم فحسب بل إنه يحظى الآن باهتمام بالغ من صنّاع السياسة وقادة العالم أجمع، ومع حلول عام 2024 بدأت الدول الرائدة في هذا المجال في اقتراح بل والبدء في سن تشريعات تخص الذكاء الاصطناعي مثل الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند، وتتمحور أهدافها حول ثلاثة محاور “تحفيز الاختراقات التكنولوجية، وجذب الاستثمارات العالمية، وحماية شعوبها من أي تداعيات سلبية غير مقصودة للذكاء الاصطناعي”.
-أخلاقيًا: إن البصمة المتزايدة للذكاء الاصطناعي في حياتنا تقدم عددًا لا يحصى من المعضلات الأخلاقية؛ نظرًا لأن آليات الذكاء الاصطناعي تقوم بشكل متزايد بالتدخل في القرارات وإرشادها في مجالات عديدة تمس حياة الإنسان بطرق غير مباشرة وأحيانًا مباشرة، فمن الضروري أن يكون التطوير في هذا المجال يحظى بأقصى قدر من الشفافية والعدالة تحميها اتفاقيات عالمية وقوانين راسخة يلتزم بها الجميع.
وأوضح الدكتور محمد سالم أن عصر الذكاء الاصطناعي الحالي غيَّر كل التقنيات المحورية التي سبقته من حيث تطوره غير المسبوق وتغلغله في الحياة اليومية والأخطر من هذا كله هو آثاره السلبية التي يمكن أن تهدد الوجود البشري، وكما نعيش حاليًا ونشاهد النقاشات والمقترحات التي تنتج عنها، فمهما كانت مزايا مثل هذه المقترحات ووجاهتها فمن غير المرجح أن يحدث كبح جماح لتطوير وتطور الذكاء الاصطناعي في أي وقت قريب، وحتى لو فُرض أنه من الممكن سياسيًا الاتفاق على وقف هذا التقدم فمن المرجح أنه لن يلتزم به أحد في ظل المنافسة الشرسة بين الدول.