اجرى الحوار/ محمد لطفي
أصولها الصعيدية لم تكن عائقا أمامها بل كانت مصدر القوة الذي تستمد منه البقاء والنجاح ، فوالديها نجحا في توفير البيئة اللازمة لتفوقها العلمي والعملي ، درست الهندسة عن حب واقتناع ، تخرجت من كلية الهندسة قسم العمارة لتهجره بعد أن رسمت في خيالها شكل حياتها من واقع الخوارزميات ولوغاريتمات الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات ، شهد لها الجميع بتفوقها مُنقطع النظير ، لم يكن ذلك فحسب بل ايضا اثبتت جداره وتفوق في الإدارة وهو ما جعلها اليوم أول سيدة مصرية تقود شركة عالمية متعددة الجنسيات في مجال البرمجيات في السوق المصرية ، إنها المهندسة هدى منصور.
فرصة اللقاء معها كانت صعبة فهي دائمة الحل والترحال ، تبحث عن بيزنس جديد ربما ، تشارك في فعاليات دولية ربما ، نجحت منذ عامها الأول في SAP مصر أن تجعل الشركة محط انظار الحكومة مما انعكس ايجابا على أعمال الشركة في القاهرة.
وإليكم ما دار في حوارنا معها….
إسمي: هدى أحمد محمد منصور
ولدت في القاهرة ، اما النشأة كانت في الإسكندرية لظروف عمل والداي حيث انتقلنا وعمري أربع سنوات إلى الإسكندرية و كنا نقيم وقتها في حي “وابور المياه ” ثم انتقلنا إلى “جليم ” .
التحقت بمدرسة عظيمة تخرج منها عدد مرموق من الشخصيات العامة والعالمية فأنا انتمي لمدرسة (EGC)وكانت مدرسة متميزة في ذلك الوقت وتحضرني ذكريات جميلة للمدرسة حيث كانت من أجمل المدارس الموجودة وقتها و كان بها العديد من الملاعب و المسارح الضخمة أيضًا ، كما تخرج منها شخصيات مرموقة ومنهم ملكة أسبانيا التي كانت تحرص على حضور حفل تخرج المرحلة الثانوية من المدرسة و كانت تقيم في القسم الداخلي للمدرسة- البوردنج هاوس (Boarding House) .
شغف الدراسة
كما أن تفوقي الدراسي لم يأت من فراغ فكنت احب الكثير من المواد العلمية التي أهلتني فيما بعد لدراسة الهندسة ومنها: الرياضيات والفيزياء واللغات كاللغة الإنجليزية وخاصة اللغة الفرنسية كنت أحب اللغة الفرنسية كثيرا والتحقت بالمركز الثقافي الفرنسي لتحسين قدراتي وكنت أًجيد التحدث باللغة الفرنسية حتى مرحلة الثانوية العامة و لكن مع الأسف الشديد لم أمارس اللغة بعد التحاقي بكلية الهندسة وانشغالي بأمور اخرى و بالتالي فقدت مهاراتي في هذه اللغة.
ندمت على عدم استكمالي لرسالة الدكتوراه بسبب ظروف سفري وإقامتي في لندن
أما إذا انتقلت للحديث عن دراستي الجامعية فقد التحقت بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وحصلت على تقدير تراكمي امتياز مع مرتبة الشرف و كان ترتيبي الثانية على الدفعة ،وكنت متفوقة جدا في الرياضيات و الرسم الهندسي و بالمناسبة أنا خريجة هندسة عمارة ولكن بعد تخرجي حصلت على منحة من مركز المعلومات و دعم اتخاذ القرار (IDSC) والتحقت بمعهد تكنولوجيا المعلومات (ITI) الذي كان يرأسه وقتها الدكتور نبيل سعيد، والمغفور له الدكتور نبيل النادي، و وزير الاتصالات الأسبق الدكتور محمد سالم و قد كانت دراستي في ITI هي نقطة تحول بالنسبة لي .
وبعدها و بدعم من الأستاذ الدكتور “سمير شاهين ” الذي سمح لي و تم قبولي في تمهيدي اتصالات شعبة حاسبات ومعلومات و التي نجحت فيها ثم عادلت دراستي بالتحاقي بامتحانات السنه الثالثة والرابعة لاتصالات ، ثم حصلت على شهادة الماجستير من Maastricht School of Management – MBA Information Technology and Management و حصلت على منحة أيضًا للدكتوراه من نفس الجامعة و بدأت فيها و لكن مع الأسف الشديد و برغم من قرب انتهائي منها إلا اني كنت أقيم وقتها في إنجلترا و أعمل في منصب Senior Director في شركة Oracle حيث كنت مسئولة عن عده دول على مستوى العالم و للأسف لم أرى أهمية استكمالي للدكتوراه في ذلك الوقت وهذه من الأشياء التي اندم عليها جداً على الرغم من أن والدي -رحمه الله -كان يحثني على أن احصل على الدكتوراه هو ووالدتي .
موروثات ثقافية وأمثال شعبية
هناك امثال شعبية ومقولات من الموروثات الثقافية المصرية التي تأثرت بها ومنها المثل الشعبي “امشي عدل يحتار عدوك فيك ” و فعلاً هذا المثل بالنسبة لي مهم جداً ودائماً أحب أن اتخذه في جوانب حياتي سواء على الجانب الشخصي أو العملي ، وهناك مثل آخر أحبه جداً و هو “اجري يا بن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش ” و هو مثل أؤمن به جداً حيث أرى صراعات في كافة جوانب الحياة و لكني أرى ان أمور الدنيا أبسط من ذلك و قد كنت أكتبها على السوشيال ميديا ولكني حاليا مُقلة في التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأني أفضل الاحتفاظ بخصوصيتي و اتمني أن يعلم الناس أن الحياة أبسط من ذلك ،وأيضًا عندما أواجه صعوبات , اجد نفسي أقول ” يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم استعننا على الشقاء بالله”.
أحببت الرياضيات والفيزياء لذلك تفوقت في الجامعة وتخرجت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف
أهوى رياضة المشي وكنت أحب جدا اليوجا وبالتحديد (Bikram Yoga) التي تمارس في استوديو يتم تسخينه علي 40° مع درجه رطوبة 40 ٪ لكن مع الأسف الشديد لا تتوافر استوديوهات كثيرة في مصر أو قد تكون شبه منعدمة و لكن حاليا أمارس الرياضة في الجيم لتحسين مستوى لياقتي البدنية وذلك للمحافظة على صحتي نظرا لطبيعة عملي.
خاصة وأن طبيعة عملي حرمتني من الدخول الدائم للمطبخ فأنا للأسف لا اجيد الطبخ ، و لكن كنت أقيم فترة طويلة في إنجلترا وكنت اجيد صنع المأكولات المصرية المتميزة مثل الملوخية و البامية و صواني السمك ، و بالنسبه لي الطبخ شيء لطيف جداً .
حياتي العملية والوظيفية
إذا انتقلت للحديث عن التدرج الوظيفي فقد بدأت حياتي المهنية في المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات RITSEC و قد عملت في مشروع التعلم عن بعد تحت إدارة الدكتور “طارق شوقي” وزير التربية و التعليم و التعليم الفني الحالي، و بعدها عملت مع المهندس علاء فهمي وزير النقل الأسبق الذي استكمل مسيرة مشروع التعليم عن بعد ، ثم التحقت بشركة Oracle تحت إدارة المهندس عاطف حلمي وزير الاتصالات الأسبق وتم اختياري للعمل بشركة Microsoft في منصب Lead of Technologies Specialist ثم التحقت مرة أخرى بشركة Oracle لأكون أول عضو من الشرق الأوسط ضمن فريق الاتصالات للشركة Telecommunications في إنجلترا ، تحت إشراف مباشر من Global Head of Telecommunications . و تطورت مسئولياتي حتى أصبحت مسئولة عن قيادة إحدى الحلول في معظم الدول الناشئة في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا و المحيط الهادي ، أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا ، مما ساعدني بالتفكير بطريقة مبتكرة .
المشي واليوجا من رياضاتي المُفضلة
ثم انتقلت للعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة في شركة ناشئة حسب توجيه مديري الأسبق في شركة Oracle لأهمية العمل في شركة ناشئة لأنها تضيف العديد من الإمكانيات والمهارات الشخصية بالإضافة للمهارات التي تم اكتسابها من الشركات المتعددة الجنسيات ،حيث أنها تعطي نظرة شمولية لكافة جوانب العمل عن كيفية العمل بما فيها الربحية و الاستمرارية.
بعدها التحقت للعمل في شركة SAP بدولة الإمارات العربية المتحدة و تدرجت في SAP من منصب مديرة إدارة مجموعة قطاعات إلى منصب الرئيس التنفيذي للعملياتChief Operating Officer لدولة الإمارات العربية المتحدة وعمان و التي كانت أكبر وحدة تسويق بالمنطقة حيث يعد هذا المنصب في المرتبة الثانية من منظمة الشركة .
ثم عُرض عليا الانتداب لقيادة المسيرة في مصر عام 2018 و منذ ذلك الوقت أصبحت العضو المنتدب لشركة SAP مصر ، ثم تمت إضافة عده دول جديدة و هي بلاد الشام وليبيا و السودان واليمن بالإضافة إلى مصر و من خلال هذه الخبرات ازداد شغفي بالعمل مع جنسيات متعددة حيث ننعم بالعمل مع حوالي 70 جنسية مختلفة حاليا في منطقة الشرق الأوسط .
طبيعة عملي حرمتني من الدخول الدائم للمطبخ لذلك لا أجيد كل الآكلات
أنا أحمد الله كثيرا الذي انعم عليَّ بالتوفيق في حياتي و بتشجيع من والداي برغم من أصول والدي الصعيدية و لكنه هو ووالدتي كانا دائماً يحرصان على أن أتعلم و أسافر و أكون دائماً متطلعة وبالتالي لم أشعر بوجود فرق بين الرجل و المرأة وخصوصا أن نشأتي كانت في مدرسة مختلطة .
كنت أول سيدة في تاريخ شركة SAP تتولى منصب مدير عام في منطقة الشرق الأوسط و إفريقيا بأكملها و كنت أول سيده في مصر يتم تعيينها كمدير عام لشركة برمجيات متعددة الجنسيات.
كما تم اختياري من قبل فوربس (Forbes) ضمن أكثر السيدات تأثيرا في منطقه الشرق الأوسط في عامي 2018 و 2020 و كذلك تم اختياري كواحدة من Top 50 Women في مصر بمجال الصناعة عام 2019 .
وبعد كل هذه السنوات من الخبرة استطيع أن انقل تجاربي لكل أمرأة مصرية من العاملات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من وجهة نظري ، فمن المهم أن يكون للسيدات في مجال تكنولوجيا المعلومات سماتهم المميزة والخاصة بهم (Building their Brand) ، هذا بالإضافة إلى المثابرة والجدية والصدق في إتقان العمل.
و من الملاحظ أن هذه السمات تبقي معنا بغض النظر عن طول المدة و أيضًا الأخطاء تظل معنا، و قد ينسى البعض النجاح و لكن الأخطاء من الصعب نسيانها .
أنا أول أمرأة مصرية تتولى منصب العضو المنتدب لشركة عالمية متعددة الجنسيات في مجال البرمجيات
و حاليا أصبح هناك اتجاهات كثيرة جداً بتعيين السيدات في مناصب قيادية ولكني ضد تعيين السيدات “فقط ” لتحقيق نسبة معينة و إني أفضل تعيين السيدات ذات الكفاءة في المكان التي تستحقه و ليس لتحقيق نسب أو معاير معينة .
و يجب أن يمتلك الشخص القدر الكافي من الذكاء العاطفي ، بمعنىٍ أن المرأة يجب أن تعلم جيدا متى تفرق بين اللين والحزم سواء في الحياة الشخصية أو العملية ، شيء آخر وهو التحلي بالصمود.
وأعتقد أننا نعيش في العصر الذهبي للسيدات سواء في مجال تكنولوجيا المعلومات أو في المجالات الأخرى و من وجهة نظري لا يوجد أي سبب للشعور بالظلم لأن الشخص المثابر سينجح و يتألق أينما كان.