د.محمود فوزي يكتب: كي تكون مبدعًا
بينما كان الاتجاه الفكري السائد في علوم التسويق والعلاقات العامة تهيمن عليه مفاهيم الصورة الذهنية، والتمييز السلعي، والاتصالات التسويقية المتكاملة؛ فقد حاولت إحدي الدراسات التي أجريت عام 2018- بدولة فيتنام- بالتطبيق علي مديري شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ الإجابة علي تساؤل رئيسي وهو كيف يمكن لرأس المال الاجتماعي أن يرتقي بأداء الشركات وتحسين قدرتها الإنتاجية؟؛ لتأتي الإجابة متمثلة في محفزات الأنشطة الابتكارية، وهي الدوافع التي تنشأ وتترسخ علي المدي الزمني الطويل؛ كنتاج ثمار الثقافة المؤسسية الإيجابية التي تتبناها المنظمة ذات الهيكل الإداري الواضح والمستقر؛ أو بعبارة أخري هي تراكم الاستثمار الفعال لرأس المال التنظيمي، والذي يتحول فيه أداء العاملين ومواردهم الفكرية لأصول غير ملموسة تمثل مزايا تنافسية للشركة.
هذه الأصول غير المادية تكمن في علاقات الثقة المتبادلة بين جماعات المصالح داخل الشبكة الاجتماعية للمنظمة، ومدي القدرة علي بلوغ أرقي معدلات الرضا الوظيفي بين العاملين، بل والقدرة الأكبر علي جلب واستقطاب الموظفين المهرة، والاحتفاظ بهم وترقيتهم وظيفيًا، وخفض معدلات ترك العمل، وذلك علي نحو مواز من تنمية قدراتهم الذهنية وتحسين مهاراتهم العملية علي حل المشكلات، واقتراح الأفكار المبتكرة القادرة علي التنبؤ باحتياجات العملاء، وتطوير المنتجات كي تواكب المستجدات التكنولوجية المتلاحقة، ومن ثم نمو مبيعات الشركة، وتميزها عن المنافسين.
وبالعودة للعام السابق 2017 ولكن في إندونسيا، وبالتطبيق علي موظفي شركات الأثاث الخشبي فقد كشفت دراسة عن أن إضفاء سمة الإبداع والابتكار علي منتجات الشركة وتمتعها بالتفرد والتميز عن المنافسين، وتلبيتها احتياجات مستهلكيها؛ ما هو إلا نتاج لعدد من العوامل الاتصالية والتسويقية التي يلعب فيها رأس المال الاجتماعي دورًا رئيسًا؛ من خلال شبكة العلاقات الاتصالية الوثيقة بين الموظفين ورؤسائهم، والتزامهم بمسئوليات العمل والوفاء بوعودهم، وتمتعهم بالكفاءة التكنولوجية، وحرصهم المتلاحق علي تنمية قدراتهم وخبراتهم، وتحسين مهاراتهم العملية، فضلًا عن تغليب الأهداف المشتركة للعمل علي المصالح والاهتمامات الشخصية، والسعي الدائم نحو تجاوز مشكلات العمل، واتخاذ القرارات المشتركة؛ حتي وإن اختلفت الآراء.
لم يكن المجتمعان الفيتنامي والإندونيسي سوي نموذجين لإعلاء قيمة رأس المال الاجتماعي وما ينجم عنه من رأس مال فكري وآخر تنظيمي؛ ذلك لأن المورد البشري هو الأساس الأعظم الذي يرتكز عليه أي كيان مؤسسي، وبدون تلك العقول البشرية المبتكرة والأصول الفكرية المبدعة سيخر كل كيان راكعًا منهارًا في خضم الفشل والنسيان.
د.محمود فوزي
مدرس العلاقات العامة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا