بول واليت يكتب:كيف تُغير نمذجة معلومات البناء من واقع العمل الإنشائي في مصر؟
يعد القطاع الإنشائي من بين محركات النمو الرئيسية في مصر، حيث شهد نمواً كبيراً خلال السنوات العشر الماضية. فإلى جانب ارتفاع الطلب على المباني السكنية، يعزى النمو في هذا القطاع أيضاً إلى مشاريع البنية التحتية العامة. ومن بين الأولويات التي تعمل الحكومة المصرية على تنفيذها هي تحسين واقع البنية التحتية في الدولة مثل بناء المطارات والموانئ وإنشاء الطرق والسكك الحديدية. ولدى وزارة النقل المصرية حوالي 25 مشروعاً في طور الإعداد ضمن قطاع السكك الحديدية، منها خط مترو المنصورة ودمياط وخط مترو طنطا وتجديد خط مترو القاهرة 2.
ولتلبية الطلب المتنامي في قطاع الإنشاءات، تستفيد الشركات من قوة الأدوات والبرمجيات والحلول الذكية، يدعم ذلك أيضاً الحاجة إلى تحسين عمليات المشاريع كما تم في الماضي عندما واجه قطاع الإنشاءات في الدولة مشاكل تتعلق بأصحاب المصلحة وعدم توافر البيانات والمعلومات وكيفية الاستفادة منها.
وتكبدت شركات قطاع الإنشاءات في الماضي مزيداً من التكلفة والوقت والمواد بسبب عدم كفاءة الإدارة. ومع ذلك، غيرت التطورات التكنولوجية من واقع القطاع الإنشائي في مصر.
وتكتسب الابتكارات الحديثة مثل البناء المعياري وبرمجيات نمذجة معلومات المباني المزيد من الزخم، حيث تستفيد منها الشركات في تحسين سير العمل ورفع الإنتاجية وتعزيز الكفاءة وجودة العمليات. وأصبحت نمذجة معلومات المباني واحدة من أفضل التقنيات المستخدمة في مشاريع البناء، وشهدت مصر استخداماً متزايداً لهذه التكنولوجيا، حيث تظهر البيانات أن 83% من المهندسين المدنيين والمهندسين المعماريين والمقاولين يستخدمون حلول نمذجة معلومات المباني.
وساهم دمج تقنية نمذجة معلومات المباني في إنجاح العديد من المشاريع في الدولة، خاصة ضمن مشاريع البنية التحتية العامة مثل الطرق والسكك الحديدية ومحطات المترو وغيرها. وعند بناء محطة مترو عدلي منصور والمتحف المصري الكبير، على سبيل المثال، تم تبني نمذجة معلومات المباني لمعالجة التعقيدات وتلبية توقعات أصحاب المصلحة، حيث استلزمت إدارة المشاريع على هذا المستوى مهارات وتطبيقات وتعاون وتقنيات مختلفة.
وعلاوة على ذلك، تتطلب المشاريع الإنشائية إدارة مركزية للبيانات وتدفقاً للمعلومات لتحسين التعاون بين أصحاب المصلحة. وتتيح نمذجة معلومات المباني وصولاً متزامناً لبيانات المشروع والمعلومات الحيوية، وبالتالي، القضاء على مخاطر أخطاء البيانات وتقليل سوء التواصل والفجوات بين الجهات المعنية بالمشروع.
وهناك العديد من المشاريع قيد الإعداد، حيث تخطط مصر لبناء حوالي 14 مدينة ذكية جديدة في مسعى منها لتحديث الدولة وزيادة الاستثمار في المباني المستدامة. ويمكن أن تساعد نمذجة معلومات المباني هذه المشاريع بدءاً من مرحلة التصميم إلى مرحلة البناء وإدارة المبنى، خاصة عند الاستخدام الأمثل للبيانات لإنتاج معلومات دقيقة يمكنها تحسين العمليات. فعلى سبيل المثال، ولتحقيق هدف الاستدامة للمبنى، تزود تقنيات نمذجة معلومات المباني المهندسين ومديري المشاريع بالبيانات الدقيقة في الوقت الفعلي حول كيفية تأثير الأصول على استهلاك الطاقة. وتقدم هذه البيانات القيمة لمختصي القطاع فرصة لإعادة التصميم، إذا لزم الأمر، لتقليل التكاليف مع تحقيق أهداف المبنى الذكي.
وتتضمن هذه المجموعة الواسعة من الفوائد العائدة من استخدام تقنيات نمذجة معلومات المباني، الإدارة المركزية للبيانات، وتدفق المعلومات، وتحسين التحكم بالتكاليف، وتحقيق الجدول الزمني لعملية البناء، وتلبية متطلبات واحتياجات أصحاب المصلحة. وتعد برمجيات نمذجة معلومات المباني التقليدية في حد ذاتها مفيدة، إلا أن الجيل الجديد من الحلول البرمجية لنمذجة معلومات المباني تنطوي على فوائد تمتد من المهندسين المعماريين إلى الشركات الإنشائية ومقاولي البناء وحتى الشركات العقارية.
ويفسح النطاق التقليدي لتصميم نمذجة معلومات المباني المجال لمفهوم أكثر تطوراً وهو “نمذجة معلومات المباني القابلة للإنشاء” للتعامل مع التعقيدات المتزايدة في تصميم المباني، والأهم من ذلك تشييد المباني. ويحدد المصطلح “قابل للإنشاء” السهولة والكفاءة التي يمكن من خلالها إنشاء الهياكل من نموذج ثلاثي الأبعاد أو نموذج مرئي. وفي حال تم تفصيل نموذج نمذجة معلومات المباني بشكل كاف، فيمكن اختبار قابلية الإنشاء للمبنى مسبقاً للتأكد من قابليته للإنشاء بالفعل وبتكلفة معقولة. ويتيح النموذج القابل للإنشاء بالتالي للمصممين والمهندسين والمقاولين تبسيط عملياتهم وتحسين الكفاءة والإنتاجية طوال فترة العمر الافتراضي للمشروع.
ومن المهم هنا التأكيد أنه وفي حين أن جميع النماذج القابلة لإنشاء هي نماذج جاهزة لتقنية نمذجة معلومات المباني، فإنه ليست كل نماذج معلومات البناء قابلة للإنشاء. وتختلف “نماذج التصميم” و”النماذج القابلة للإنشاء” على مستوى الدقة والتطوير والتفاصيل الموجودة في النموذج ذاته. وبينما يمكن استخدام كافة نماذج “نمذجة معلومات المباني” لتوصيل مفهوم البناء، إلا أنها تكون نماذج “غير قابلة للإنشاء” إذا كانت تفتقر إلى البيانات لدعم عملية البناء والتصنيع والمشتريات.
وفي مصر، زاد الوعي حول تقنية نمذجة معلومات المباني مع مرور الوقت في ظل النمو الذي يشهده قطاع الإنشاءات. وتسعى شركات البناء اليوم عن أفضل الممارسات لتحقيق دمج وتكامل ناجح لهذه التكنولوجيا في مشاريع الإنشاءات الكبرى ومشاريع تطوير البنية التحتية. كما أن الاستثمارات المتزايدة في التكنولوجيا مثل نمذجة معلومات المباني ستعزز وستسرع من مشاريع التطوير في البلاد.
بقلم: بول واليت، المدير الإقليمي لشركة “تريمبل” في الشرق الأوسط والهند