تحقيق يكتبه : محمد لطفي
تسريح موظفين ، هروب مستثمرين ، اغلاق مقار شركات ، ضعف الاستثمار ، بيروقراطية الحكوميين ابرز حصاد عام 2022 بالنسبة للشركات الناشئة المصرية ، فقبل أن يسدل العام الجديد ستاره علينا فوجئنا قبل بضعة أشهر عن هروب مؤسس إحدى الشركات الناشئة وهو هروب بلا عودة حتى اليوم ، وسبقها الضجة الإعلامية التي حظيت بها شركة سويفل المصرية الناشئة وطرحها في بورصة ناسداك العالمية – والتي باتت اليوم معرضة للشطب – واتجاهها للاستحواذ على شركات أميركية ناشئة إلا أن كل هذا لم يشفع لها للاستمرار حتى تهاوى سهمها دون المستوى وبدأت الشركة في تسريح عمالتها وفقا لتقارير صحفية بهدف تحقيق أرباح، فمستقبل الشركات الناشئة في مصر بات مهددا أو كما يقال على كف عفريت كل يوم هو في شأن بسبب سياسات وتغيرات السوق حتى أن البعض بدأ يفكر بل اتخذ خطوات جادة نحو نقل مقاره إلى الخارج كما فعلت سويفل بعيدا عن بيروقراطية الحكومة كل هذا يأتي رغم توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بافساح الطريق امام نمو الشركات الناشئة والشركات الافتراضية وتذليل العقبات امامها.
ووفقا لـ “انتربرايز” فقد جمعت الشركات الناشئة في مصر أكثر من 507 ملايين دولار في عام 2022 ، بزيادة بنحو 36% مقارنة بـ 373 مليون دولار العام 2021، ففي عام 2022 كان هناك 94 استثمارا في الشركات الناشئة المصرية، بزيادة 24% عن 76 تمويلا في 2021. ومن الواضح أن فبراير ومارس وأكتوبر كانت أوقات الذروة لاستثمارات الشركات الناشئة، التي أغلقت 18 جولة استثمارية في مارس، و13 جولة في فبراير و12 جولة في أكتوبر. أهدأ شهور العام كان يوليو، الذي لم يشهد سوى جولة واحدة فقط من ستة أرقام، يليه نوفمبر بثلاث جولات. لكن الملحوظ أنه لا يوجد شهر يخلو من إعلانات الاستثمار طوال العام.
السطور التالية ترصد المشوار من اوله في هذا المجال الذي بدأ يزدهر في مصر منذ عام 2017 تقريبا .
في البداية يقول المهندس محمد عكاشة، رئيس صندوق ديسربتيك إن مصر سوق واعد جدا للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا ومازالت الفرص كبيرة وواعدة في مجالات التكنولوجيا المتعددة ، كما أن البيئة مازالت جاذبة جدا والسوق يزداد نضوجا وتطورا مع الوقت إلا أن الازمة المالية العالمية وتبعيات الحرب الروسية الاوكرانية فرضت علي الشركات المصرية تحديات في توفر التمويل وتوفير السلع المستوردة بالإضافة لارتفاع تكلفة الاقتراض هذه الأزمات بلا شك ستفرز شركات أكثر قدرة علي المنافسة وأكثر صلابة في مواجهة الأزمات.
محمد عكاشة: الحكومة الحالية من أكثر الحكومات دعما للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا
وتابع عكاشة أن الشركات الناشئة التي ستنجح في مواجهة الأزمة الحالية ستتبني نظم عمل صحية تضغط النفقات وستركز على الوصول للربحية في أسرع وقت ، مشيرا أن الحكومة المصرية الحالية من أكثر الحكومات دعما للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا وتدفع بقوة في اتجاه التحول الرقمي في كل المجالات. مصر كحكومة وقطاع خاص تتنافس مع الدول العربية والإفريقية في خلق مناخ أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والعربي والأجنبي مما يساعد علي زيادة تنافسية مصر في مجالات التكنولوجيا والشركات الناشئة هو الاستماع الدوري لطلبات الشركات الناشئة و اتخاذ قرارت سريعة والعمل على تنفيذ المنطقي والمناسب منها علاوةعلى السرعة في اتخاذ القرار ومنح مساحة للشركات في تنفيذ افكارها طالما لاتتعارض مع اي قوانين هو مايميز الأسواق الأكثر نجاحا في هذا المجال.
مطالب مشروعة
ويلتقط طرف الحديث الدكتور خالد إسماعيل خبير الاستثمار في مشروعات ريادة الأعمال والشركات الناشئة والذي توقع لشركات ريادة الاعمال الاستمرار فى المسار الذى بدأ منذ أكثر من 10 سنوات بالنمو كما و كيفا. لكن التمويل لن يكون متاحا بسهولة خلال عام 2023 بالمقارنة بعامى 2021 و 2022.
وأجمل التحديات التي تواجه الشركات في نقص المهارات و صعوبة و تكلفة الوصول الى العميل النهائى، مشيرا أن الحكومة يجب أن تيسر التأسيس والحصول على التراخيص و كذلك اغلاق الشركات إن لزم الأمر ، ويفضل أن ترفع الجهات الحكومية بما فيها مصلحة الضرائب و التأمينات الاجتماعية يديها عن الشركات الصاعدة فى أول 3 سنوات.
خالد إسماعيل: تمويلات الشركات الناشئة لن تكون متاحة بسهولة في 2023
مستقبل مشرق
ومن جانبه ، قال أمير شريف، الشريك في صندوق خوارزمي الذي يتخذ من الرياض مقرا له والمؤسس لموقع وظف وفرصنا إن احوال الشركات الناشئة ورواد الأعمال بها استقرار نسبي سواء في مصر أو في منطقة الخليج إلا أنه رغم هذا الاستقرار في مصر هناك حزمة من التحديات لابد من إيجاد حلول جذرية لها أبرزها خروج بعض الشركات الناشئة إلى الدول المحيطة وتأسيس مقار رئيسية لها في هذه الأسواق ، فمثلا صندوق خوارزمي الذي اشارك فيه قد ضخ 10 ملايين دولار خلال العامين الماضيين فقط في شركات مصرية إلا أننا رصدنا خلال الفترة الماضية قيام بعض الشركات المصرية بتقليص أعمالها في مصر والتوسع خارجيا بينما اتجه البعض الآخر إلى نقل عملياتهم إلى دول عربية محيطة .
وتابع أن مستقبل الشركات المصرية كان في المطلق جيد في الأعوام الماضية وتزيد عملياتها بشكل صحي ونجحت هذه الشركات في اجتذاب استثمارات دولية بلغت 500 مليون دولار العام الماضي وكان هناك زيادات مرتقبة لمضاعفة هذه الاستثمارات إلا أن الأحداث الضبابية الأخيرة التي عمت على السوق المصرية دفع الكثير إلى التراجع عن التوسع في مصر .
ورغم امتلاك الدول المحيطة لاستراتيجيات واضحة المعالم تجاه رواد الأعمال والشركات الناشئة إلا أن الشركات الناشئة في مصر كانت تسير بخطوات جيدة بسبب “شطارة” القائمين على هذه الشركات في مصر ولذلك بدأت الشركات المصرية تتحرك نحو أسواق الخليج والأسواق العربية خاصة وأن جزء كبير من الاستثمارات الخارجية ستوجه لهذه الدول وسيحدث بها استثمار كبير وخلق فرص عمل .
وعن أبرز التحديات التي تعوق عمل الشركات الناشئة في مصر أوضح شريف، أن هناك دراسات تم تنفيذها داخل هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات” ايتيدا” وهيئات ووزارات مختلفة مدون فيها التحديات بصفة عامة علاوة على ظهور تحديات جديدة خلال الشهور القليلة الماضية بسبب وجود تحديات امام المستثمرين الاجانب الذين اتجهوا نحو دول الخليج واصبحت الشركات المصرية مضطرة لنقل مقاراتها الرئيسية لهذه الدول لجذب تمويل اكبر علاوة على ان تقييمات الشركات المصرية قد تاثرت بشكل كبير خلال الشهور الماضية .
وتابع أن التحدي الأكبر الذي يواجه شركاتنا أيضا هي الحدود والإجراءات المفروضة على الصرف بسبب الإلتزامات الخارجية والتي تتطلب الدفع بالدولار علاوة على معاناة الشركات بشدة بسبب التضخم وارتفاع الأسعار والمرتبات وتدبير العملات الأجنبية مما اضطر البعض إلى تقليل أعداد العمالة ونقل المقارات الرئيسية في مصر .
أمير شريف: تدشين كيان وطني موحد لتنسيق الاستراتيجيات فيما يخص الشركات الناشئة…ضرورة ملحة
كيان وطني
ويجب على الحكومة ان تتفهم طبيعة عمل الشركات الناشئة ورواد الاعمال في ظل اهتمام القيادة السياسية بهؤلاء الشباب لدعم الاستثمار وتسهيل آليات التنفيذ ولذلك يجب التنسيق بين الجهات المختلفة وأكد شريف أهمية وجود كيان وطني موحد على أعلى مستوى لتنسيق الاستراتيجيات بين الوزارات والهيئات المختلفة فيما يخص ريادة الأعمال والاستثمار في الشركات التكنولوجية والابتكار.وأوضح أن شركات كثيرة تواجه تحديات بسبب تضارب القوانين والاستراتيجيات والإجراءات البيروقراطية من جهات مختلفة تجعل نمو هذه الشركات أكثر صعوبة وتجعل نقل الشركات لمقراتها أمرا حتميا يضر بالاقتصاد وسوق العمل.
وشدد على ضرورة مشاركة ممثلين من القطاع الخاص وريادة الأعمال والاستثمار في مثل هذه الكيانات على غرار ما يحدث في الدول التي نجحت في جذب الشركات والمواهب في مجال التكنولوجيا لأسواقهم.
والعمل على تطبيق قانون الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال السوفت وير والاستفادة من طاقاتها فمنح اولوية للشركمات الصغيرة والمتوسطة في المشروعات الحكومية غير مطبق بالمرة علاوة على ان كل المشروعات يتم اسنادها للشركات الاجنبية والعالمية ويكون دور الشركات المصرية مجرد مقاول من الباطن.
وشدد على دور الشركات الناشئة في جذب الاستثمارات والعملة الاجنبية من الخارج مما يؤهلها فيما بعد ان تصبح شركة رائدة ويتم طرحها في البورصة المصرية مثل فوري.
ويقول أسامة حرفوش، خبير ريادة الاعمال إن التحدي الاكبر الذي يواجه كل الشركات في الوقت الحالي هو توافر التمويلات الكافية حتى تنمو بشكل أسرع وتوقع ان يكون نمو الشركات بطيء نتيجة عدم توافر رؤوس أموال مخاطر يمكن الاستثمار فيها وسيكون هناك انكماش نتيجة رفع سعر الفائدة في البنوك المصرية وخوف المستثمرين من التقلبات الاقتصادية في هذه الفترة ورغم تأثيرها السلبي في النمو لكن الكل يبحث عن فرص بحيث ألا تخلق هذه الفرص اي اعباء وسيكون له مميزات للشركات التي ستحقق إيرادات .
وتابع أن الشركات التي تميل إلى تقديم عروض ترويجية أو خصومات بشكل كبير للعملاء سيقل نشاطها لأن الجميع يبحث عن خدمات مقابل قيمة وستساعد على ان تُدر عملة أجنبية للسوق المحلية في حالة تصديرها للأسواق الخارجية وكذلك الاتجاه إلا تصدير الكوادر البشرية المدربة ، واي شخص يعتمد على اقتصاديات الأداء أو التطور السريع صعب نموه في الوقت الحالي أما من يعتمد على اقتصاديات النوع سيكتب له النجاح والتواجد .
وتقول داليا أبو عمر مؤسس شركة بروتيني إنه بدأ من الربع الثاني من عام 2022 بدأ انحصار الـ growth model للشركات الناشئة واصبحت شهيه المستثمرين مفتوحة أكثر نحو الـ revenue model ، مشيرة أن هذا الوضع سيستمر في السنوات القادمة لذلك فقد أصبح من المهم أن تحاول أغلب الشركات سواء القائمة أو المستجدة تحقيق هامش ربح يضمن لها الاستمرارية والتوسع.
داليا ابو عمر: القوانين في مصر لا تدعم الشركات الناشئة بالشكل الكافي
وإذا أردنا الحديث عن التحديات التي تواجهه الشركات الناشئة في مصر فأبرزها هو عدم الإلمام بطبيعة الشركات الناشئة سواء لدي الحكومة أو الأفراد ، فكثيرون لا يعوا ما هو مفهوم الشركات الناشئة كما أن منظومه القوانين لا تدعمنا بالشكل الكافي لتحقيق الاستفاده المرجوه ، فأغلبنا شركات تعتمد علي التكنولوجيا ولدينا مفاهيم حديثه فيما يتعلق بالـ business models ولكن لا يوجد ما يواكب ذلك في القوانين الموجودة كما أن التسهيلات الممنوحه لنا محدوده وتحد من قدراتنا علي التوسع وأرى أن أهم تحدي موجود هو القدرة علىي الاستمرارية في السوق المصرية برغم كل الإغراءات والتسهيلات التي تقدم لنا من الأسواق المجاوره فنتمنى ألا نرى هجرة للشركات الناشئة.
وتابعت أن من واجب الحكومة تبني قطاع الشركات الناشئة بصورة أكبر والاستماع لها أكثر حيث تعد شركاتنا أحد مدخلات العملة الصعبة للسوق المصرية كما أننا نمثل مستقبل الأعمال ، والحكومة يجب عليها تعلم كيفيه استغلال قطاع الشركات الناشئة وتنميته وفهمه علي وجه الدقة.
عودة الريادة
ويقول الدكتور محمد خليف استشاري الابتكار والتحول الرقمي إن هناك فرصة عظيمة أمام الشركات الناشئة المصرية لتقود المنطقة في إعادة ريادة مصر في هذا المجال وأن تاخذ وضعها الطبيعي في الريادة في مجال تكنولوجيا المعلومات لكن بشرط مواجهة التحديات الموجودة وتذليل الصعاب أمام الشركات ومشروط ايضا بدعم هذه الشركات بكافة الوسائل حتى تنجح في تحقيق أو خلق نوع من انواع العلامات التجارية المصرية في مجال تكتنولوجيا المعلومات ويكون عندها القدرة على الانتشار والتوسع خارجيا وتوفير فرص عمل لها من خلال زيادة مساهمتها في الطلب على خدمات تكنولوجيا المعلومات ومساهمتها في تنفيذ المشروعات الحكومية.
وعن أبرز التحديات التي تواجه الشركات الناشئة اوضح خليف، أن هناك فجوة بين العرض والطلب في المهارات المطلوبة والموارد الشبرية عندنا نقص في الموارد البشرية المدربة على أعلى مستوى رغم أن الحكومة تقدم برامج تدريبية متعددة باشكال كثيرة وفي ميزانيات وإنفاق ضخم موجه للتدريب ونحتاج للكثير والعمل على نشرها على أعلى مستوى وتوجيه جزء من الميزانيات لتطوير الجامعات المصرية الحكومية والخاصة مع ضرورة التركيز على التدريب بشكل عميق حيث نحتاج اكثر من 2 مليون مبرمج خلال الفترة المقبلة حتى نستفيد من حجم الإنفاق العالمي على تقنيات التحول الرقمي ويزيد الطلب على تكنولوجيا المعلومات والحلول الرقمية .
محمد خليف: نعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية …ولكن
التحدي الثاني يتمثل في زيادة الطلب على المنتجات التكنولوجية المحلية للشركات المصرية بكافة أنواعها سواء للشركات الناشئة او الشركات المصرية الصغيرة والمتوسطة لانه يساعد على توطين التكنولوجيا مع التاكيد على ضرورة مساهمة القطاع الخاص الصغير والمتوسط في مشروعات التحول الرقمي الحكومية بشكل خاص خاصة القطاع الخاص القائم على شباب مصريين الذين يعملون في هذه المشروعات بنظام المقاول من الباطن.
أما التحدي الثالث يتمثل في ضرورة العمل على إعادة النظر في القوانين والتشريعات وان يكون هناك مجلس أعلى فعال في رعاية هذه الصناعة بحيث يعرض على هذا المجلس كل ما يتعلق باجراءات التعامل مع استخدامات كروت الائتمان والاستيراد فقطاع التكنولوجيا قطاع تصديري يساعد مصر في حل الكثير من المشكل في جذب الاستثمارات وتوفير العملة الصعبة .
محمد نجاتي: مطلوب منطقة حرة للشركات الناشئة
ويلتقط طرف الحديث محمد نجاتي، مستثمر وأحد رواد الأعمال والذي أكد أن الفترة المقبلة هي فترة “غربلة” للشركات ستتحول الشركات إلى عملاقة إذا استمر في السوق ويستحوذ على الآخرين لأن المستثمرين تبحث عن شركات معها أموال حتى تقدم لها اموال اخرى لتنمو وتكبر ورغم ذلك هناك عدد ضخم من التحديات أبرزها عنصر الخبرة أصبح مطلب ضروري لأغلب المستثمرين وفريق العمل الذي يكمل بعضه البعض ، الحكومة محتاجه توفر منطقة حركة للشركات الناشئة حتى تؤسس فيها بدلا من الخروج للخارج.