محمد لطفي يكتب : “عواد” …..ونحيب الرجال
من النادر أن تجد رجل يبكى إلا إذا كان الحادث جلل ، دائما وابدا اتظاهر بالكبرياء كالجبل الشامخ الذي من الصعب هدمه او الركوض علىه لإعتلاء ظهره لكنني هذه المرة بكيث بكاءً مريرا ، تلته غصه في الحلق ، مشهد التواجد في إحدى مستشفىات العزل الخاصة بالملعون كورونا تتطلب من اي عاقل أن يقدم رجل ويؤخر الأخرى لزيارة مريض او وداع حبيب ، إلا انني توكلت على الله وعزمت على وداع رفيق الدرب وصديق العمر الذي يندر هذا الزمان أن يجود بمثله .
كنت أول الواصلين لوداعه فور أن وطأت قدماي أرض المستتشفى سمعت صراخ يُدمي القلوب وصراخ وعويل لاقاربه الذين علموا للتو لوداعه والتأكد من صحة الخبر فالجميع هزمته صدمة الخبر القريب والبعيد، دائما ما أردد اتقي فراسة المؤمن فانه يرى بنور الله لأني كدت قبلها ببضعة أيام أن يستقر في نفسي أنها ربما تكون المرة الأخيرة الذي اسمع صوته شاكيا طالبا ببذل كل المجهودات لإخراجه من مشفاه والانتقال لمكان ثان ربما أفضل املًا في الشفاء لكنني قبل وفاته بأيام كنت دائم الاطمئنان عليه من ابناء عمومته او زوجته او اي صديق بيننا مشترك والوم نفسي بتأخري في زيارته والإطمئنان عليه من قرب فهو يستحق المزيد والمزيد كان طيب القلب، دمث الخلق، حافظًا لكتاب الله .
بدات تتوالى الاتصالات من زملاء وقيادات لبعض الشركات الجميع يسأل ويتساءل كيف الوصول إلى المستشفى رغم أنها في مكان حيوي يعرفه القاصي والداني البعض طلب تحديد مكان المستشفى “اللوكيشن” إلا أنني لم اعتري بطلبهم اي اهمية كنت في وادٍ آخر احاول أن اهدأ من روعي وروع الجميع أن يحتسب الفقيد عند الله فهو شهيد وهو يستحقها بجدارة ، رأيت بام عيني رجالًا وشيوخا ونساء يبكون بحرقة على فراقه رأيت دموع ابنائه الذين مازالوا لا يصدقون فقد أبيهم ، رأيت ذلك في عيون أهل قريته حتى أن المسجد الذي قمنا فيه بالصلاة عليه لم يكن به مكان قدم حتى الساحة الخارجية جاء الجميع لوداعه غير مصدقين ما يحدث ابن الثامنة والأربعين يرحل في صمت ، هزمة المرض الملعون في الوقت الذي نجح فيه على مدار 6 سنوات كاملة أن يصمد امام مرض نقص المناعه بسبب زرع الكلى إلا أن قدر الله نافذ وات ، أكثر من 20 سيارة خرجت ورائه من مكان وفاته لتودعه حتى أن أحدهم همس في اذني مستغربا لماذا كل هذه السيارات وكانت ربما مظاهرة حب في وداع الحبيب .
تعلمت منه الكثير طيبة القلب والتسامح في بعض الاحيان فالابتسامة كانت تعلو وجهه باستمرار لم يعبس في وجه طالب طلب او يرد احد لجا اليه جابرا لخواطر القريب والبعيد اعتذر له شخص رفيع المستوى -وزير سابق- لانه قدم له بعض الطلبات لتعيين أهل قريته فربما تذمر هذا المسئول لكثرة طلباته التي ما يلبث أن يلبيها عن بكرة أبيها وربما طفح الكيل به إلا أنه عاد معتذرا لـ “عواد” ملبيا طلباته ورغباته ، رأيته في إحدى المرات مهرولًا خلف رئيس وزراء مصر الأسبق إبراهيم محلب طالبا تدخله الفوري في احدى المشكلات التي تخص أهل قريته ولانه أحسن النية استجاب له على الفور دولة الرئيس ملبيا طلبه هو الآخر .
وربما تذكرت هذه الأبيات في رثاء الصديق في ذكرى رحيله الثانية
بماذا أرثيك ياصاحبي..؟؟!!
بدمع ٍ قد تحجّر في المحاجر..!!
أم بآهات ٍ مُتنَ في الحناجر..!!
أم يا ترى أرثيك بتراب ٍ ..!!
أهيله على جُثمانك الطاهر..!!؟؟
تواريت عن الورى تحت الثرى..!!
والزوايا تناديك..!!
والأماكن..!!
وتناديك المناظر..!!
أعلم بأنك لم تعد تستطيع سماعنا..!!
ولكنه صدى بوح ٍ ..!!
قد تردد في كل خاطر..!!
هاهو هول الصدمة قد مزّق جدران صمتي..!!
فتفقست أحرفي من فم قلمي..
تبوح ببكاءك اليوم وتجاهر..!!
لم يعد للأماكن طعمٌ..!!
ولم يعد للنوم رائحة..!!
وكل الأشياء قد فقدت قيمتها..!!
حتى المعاني..!!
لم تعد تحتويها الدفاتر..!!
أراك في كل الوجوه..ترقبنا..!!
وأرى الوجوه فيك تنعى حزننا..!!