أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً سلط من خلاله الضوء على البنوك الرقمية ومؤشراتها عالمياً ومحلياً، مشيراً إلى أن التقدم التكنولوجي السريع وزيادة عدد مستخدمي الهواتف الذكية أدى إلى تطور في الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء في شكلها الرقمي.
فمنذ تسعينيات القرن الماضي ساهم ظهور الإنترنت في تطور الوضع التكنولوجي بشكل كبير، وخاصة مع إدراجه في التعاملات البنكية، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية وزاد توجه العديد من المؤسسات المصرفية إلى الرقمنة، ويرجع ذلك إلى العديد من المزايا التي تتمتع بها هذه البنوك، والتي يتمثل أهمها في انخفاض التكاليف، سواء تكلفة الإقراض أو تكلفة بناء المحافظ المالية والاستثمارية، وسهولة وسرعة إجراء العمليات المصرفية. وقد لعبت جائحة كوفيد-19دورا هاما في زيادة التوجه نحو البنوك الرقمية، وخاصة في ضوء عمليات الإغلاق التي كانت منتشرة في ذلك الحين.
عرف المركز في تحليله البنوك الرقمية موضحاً أنها “البنوك التي تُقدم الخدمات المصرفية عبر القنوات أو المنصات الرقمية باستخدام التقنيات الحديثة”، كما يمكن أن يتم إدراج أي من البنوك التقليدية في قائمة البنوك الرقمية، إذا كانت تقوم بتقديم خدمة مالية واحدة على الأقل من الخدمات المالية الآتية بشكل مباشر وفعال إلكترونيًّا سواء للعملاء من القطاع العائلي أو القطاع الخاص، وذلك على النحو التالي: تقديم الخدمات المصرفية الرقمية، والمدفوعات الرقمية، والإقراض الرقمي، وخدمات أو حلول تتعلق بالاستثمار، والإدارة المالية الشخصية، أو أدوات التعليم المالي.
أشار التحليل إلى أن البنوك الرقمية شهدت العديد من التطورات حيث يمكن القول إن بدايتها يرجع إلى عام 1980، وذلك على الرغم من أن الخدمات المصرفية عبر الإنترنت لم تكن بهذه الكفاءة والتطور كما هي الآن، ولكنها كانت محاولات تجريبية أثبتت كفاءتها مع الوقت ومع التطور التكنولوجي واستخدام الهواتف الذكية. وقد تم تقديم أول خدمة مصرفية منزلية للعملاء في ديسمبر 1980 من قبل بنك يونايتد أمريكان في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ذلك الوقت دخلت يونايتد أمريكان في شراكة مع راديو شاك لإنتاج مودم مخصص آمن لجهاز الكمبيوتر TRS-80، مما يسمح لعملاء البنك بالاتصال بالإنترنت، والوصول إلى معلومات حساباتهم بشكل آمن. وفي عام 1981 تم تقديم الخدمات المالية المصرفية عن بُعد لعملاء أربع بنوك كبرى في مدينة نيويورك، وهي: سيتي بنك، وتشيس مانهاتن، وبنك الكيماويات، ومُصنعو هانوفر.
وفي عام 1983 أصبح بنك إسكتلندا أول بنك في المملكة المتحدة يتبنى التكنولوجيا المصرفية عن بُعد، حيث تم تزويد عملائهم بخدمة مصرفية عبر الإنترنت تسمى Homelink. ويقوم الأفراد بالاتصال بالإنترنت من خلال أجهزة التلفزيون والهواتف الخاصة بهم لدفع الفواتير وتحويل الأموال. وعلى الرغم من أن عملية الاتصال تتسم بالبُطْء وعدم موثوقيتها، فإنه تم التعرف على الإمكانات التجريبية لهذه الخدمة المصرفية لتطويرها فيما بعد.
وفي عام 1994، كان اتحاد الائتمان الفيدرالي بجامعة ستانفورد أول مؤسسة مالية في أمريكا الشمالية تقدم خدمات مصرفية عبر الإنترنت لجميع عملائها. وكان في ذلك الوقت هناك اهتمام بالغ من قبل عمالقة البنوك في العالم لمتابعة التطور.
وفي عام 2006، كان حوالي 80% من البنوك الأمريكية تقدم الخدمات المصرفية عبر الإنترنت. وفي عام 2009، تم تأسيس Ally Bank، وهو أول بنك رقمي بالكامل في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن الخدمات المصرفية التي كانت تقدم من خلال الهواتف المحمولة كانت تنمو بوتيرة سريعة.
وفي عام 2020، لعبت جائحة كوفيد-19 دورًا هامًا في زيادة التوجه نحو البنوك الرقمية، وخاصة في ضوء عمليات إغلاق العديد من الأنشطة الاقتصادية بهدف منع التزاحم في المؤسسات المصرفية.
وذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن عدد البنوك الرقمية قد بلغ أكثر من 400 بنك رقمي حول العالم، ومن المتوقع أن تزداد أعداد هذه البنوك بقوة خلال الفترة القادمة، وبالتالي الأنشطة والخدمات التي تقوم عليها، وفي هذا الإطار، من المتوقع أن يصل صافي دخل الفوائد للبنوك الرقمية إلى 650.30 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بنحو 470.8 مليار دولار عام 2022، ونحو 201.3 مليار دولار عام 2020 أثناء جائحة كوفيد-19، كما أنه من المتوقع أن يبلغ معدل النمو السنوي لصافي دخل الفوائد نحو 13.4%، مما يؤدي إلى وصول حجم سوق البنوك الرقمية لنحو 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2028.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من أوائل الدول التي اعتمدت على تقديم الخدمات المصرفية عن بُعد من خلال البنوك، فإن الهند في الوقت الراهن تأتي في المرتبة الأولى من حيث عدد مستخدمي الخدمات المصرفية الرقمية، حيث بلغ عدد المستخدمين في الهند حوالي 295.5 مليون مستخدم عام 2022، بزيادة بنحو 70 مليون مستخدم عن الولايات المتحدة الأمريكية التي تأتي في المرتبة الثانية بعد الهند. وتجدر الإشارة إلى وجود فجوة كبيرة بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبقية الدول من جهة أخرى. ففي أوروبا، تمتلك ألمانيا أكبر عدد من مستخدمي الخدمات المصرفية الرقمية، بواقع 51.4 مليونًا ثم المملكة المتحدة بواقع 44.2 مليونًا، ثم إيطاليا ثم فرنسا بواقع 35.6 مليونًا و34.5 مليونًا على الترتيب.
أما فيما يتعلق بقيمة الودائع والقروض التي تقدمها البنوك الرقمية على المستوى العالمي، فقد سجلت قيمة الودائع في عام 2022 نحو 11.8 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 30.2 تريليون دولار عام 2028. وفي المقابل بلغت قيمة القروض من البنوك الرقمية نحو 5.8 تريليونات دولار عام 2022، ومن المتوقع أن تبلغ نحو 15.6 تريليون دولار عام 2028.
استعرض التحليل ما تتميز به البنوك الرقمية والتي تتمثل أهمها في انخفاض تكلفة تشغيل البنوك الرقمية، وذلك مقارنة بالبنوك التقليدية وهو ما يؤدي إلى تعظيم أرباح المساهمين هذا بالإضافة إلى انخفاض تكلفة تقديم الخدمات والمنتجات مما يعود بالنفع على العملاء، وتبسيط الإجراءات وهو ما يعمل على توفير الوقت لكل من العملاء وكذلك العاملين في البنوك، وعدم التقييد بساعات عمل كما هو الحال في البنوك التقليدية حيث يمكن من خلال البنوك الرقمية التعامل في أي وقت في اليوم خلال أيام الأسبوع.
كما استعرض التحليل بعض التحديات التي ترتبط بالبنوك الرقمية، والتي تأتي كنتيجة للتطور التكنولوجي، وتتمثل أهمها في تطور أنظمة الاختراق والقرصنة، وانتشار الفيروسات والتي قد تؤثر على البنوك الرقمية فضلاً عن أن انتشار عمليات البنوك الرقمية وإمكانية تنفيذ أكثر من إجراء في ذات الوقت مما يترتب عليه صعوبة في تحديد السيولة النقدية بشكل دقيق.
وإلى جانب المزايا والتحديات السابقة، هناك عدد من التهديدات التي تحول دون الاستفادة الكاملة من مزايا الخدمات المصرفية الرقمية. فعلى المستوى العالمي هناك نحو 3 مليارات فرد غير متصلين بشبكة الإنترنت، وذلك في عام 2022، وتكمن الغالبية العظمى منهم في الدول النامية. وعلى الرغم من أن هناك العديد من المناطق تغطيها خدمات النطاق العريض للهواتف المحمولة فإن هناك فجوة في استخدامها، حيث تُقدر نسبة السكان الذين لا يستخدمون الإنترنت المحمول بنحو 43%.
وذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في تحليله اتجاه مصر نحو البنوك الرقمية، مشيراً إلى أن مصر لم تكن بمعزل عن التطورات التكنولوجية والتحول الرقمي السريع الذي لحق بالقطاع المصرفي، فإلى جانب الجهود المبذولة لتعظيم الشمول المالي وزيادة عدد الأفراد الذين لديهم حسابات بنكية، وافق البنك المركزي المصري في 11 يوليو 2023 على وضع قواعد ترخيص وتسجيل البنوك الرقمية والرقابة عليها. وفي هذا الإطار، قام البنك المركزي المصري بوضع عدد من الاشتراطات لترخيص البنوك الرقمية، وذلك كالآتي:
– ألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع عن 2 مليار في حالة ممارسة كافة أعمال البنوك، أما في حالة قيام البنوك بتمويل الشركات الكبرى، فإنه يشترط زيادة رأس المال إلى 4 مليارات جنيه. كما ينبغي أن يكون المساهم الأكبر مؤسسة مالية ذات سابقة أعمال في أنشطة مماثلة بنسبة لا تقل عن 30% من إجمالي قيمة رأس المال.
– تقديم دارسة جدوى مفصلة، يتم من خلالها تحديد الفئات المستهدفة والمنتجات المخطط إتاحتها، وأيضًا تحديد خطط تكنولوجيا المعلومات، وخطط واستراتيجيات الأمن السيبراني، مع الأخذ في الاعتبار أن البنوك الرقمية تخضع لذات القواعد والضوابط الخاصة بالرقابة والإشراف المطبقة على البنوك العاملة بمصر، وأيضًا القوانين والضوابط الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى بعض المتطلبات الأخرى بما يتسق مع طبيعة عملها.
وفي هذا الإطار، تُعتبر شركة مصر للابتكار الرقمي (التي أنشأها بنك مصر في عام 2020) أول شركة متقدمة للحصول على ترخيص لتأسيس أول بنك رقمي في مصر، حيث تهدف الشركة إلى تقديم خدمات مصرفية إلكترونية، وتطوير الخدمات المصرفية وتيسيرها للعملاء، بالإضافة إلى جذب فئات جديدة من العملاء، هذا إلى جانب تقديم عدد من البنوك المصرية للحصول على رخصة البنوك الرقمية.
وقد أبرز التحليل عدد من المزايا تتعلق بتأسيس البنوك الرقمية في مصر، ومنها انضمام مزيد من المصريين إلى القطاع المصرفي المصري بدلاً من الاعتماد على السوق غير الرسمي، وتحول القطاع غير الرسمي إلى نظم المدفوعات والمعاملات المصرفية الرقمية وهو ما تم بالفعل حين دخلت شركات الدفع الإلكتروني إلى السوق المصرية، مثل: e-finance عام 2005، وفوري عام 2007، وزيادة الاستثمار في تقديم خدمات رقمية من قبل البنوك التقليدية نتيجة المنافسة الشرسة بين البنوك التقليدية والرقمية.