مقالات

شارل فواد المصري يكتب عن : جاهزية البنية الرقمية المصرية.. سنترال رمسيس نموذجًا

بالتأكيد مصر على طريق التحول الرقمي الطموح، لكن حادث سنترال رمسيس كشف أن الطريق لا يزال يحتاج إلى تعزيز أساسي في مرونة البنية التحتية وصلابتها.
جاهزية البنية الرقمية لا تقاس فقط بسرعات الإنترنت أو عدد المستخدمين، بل بقدرتها على الصمود والاستمرارية في أسوأ السيناريوهات.
الاستثمار في صمود هذه البنية في الظروف الصعبةومرونتها واللامركزية لم يعد ترفاً، بل هو ضرورة أمن قومي واقتصادي واجتماعي.
يجب أن تتحول الدروس الصعبة من حادث رمسيس إلى برنامج عمل عاجل لبناء بنية رقمية مصرية لا تنكسر
حادث حريق سنترال رمسيس لم يكن مجرد حادث مأساوي أودى بحياة مواطنين أبرياء، بل كان أيضاً صدمة كاشفة لهشاشة أحد أهم أركان البنية التحتية الرقمية في مصر.
هذا الحادث، الذي تسبب في انقطاع هائل للاتصالات والإنترنت عبر مساحات شاسعة من البلاد لساعات، ألقى الضوء بقوة على تحديات جوهرية في جاهزية البنية الرقمية المصرية وقدرتها على الصمود أمام الطوارئ.
أظهر الحريق بوضوح مشكلة مركزية حيث سنترال رمسيس، ببساطة، نقطة تركيز حيوية لاحتواؤه على كابلات ألياف بصرية رئيسية تربط شبكات شركات الاتصالات المختلفة ببعضها البعض ومع الشبكة الدولية- حسبما هو منشور من تصريحات رسمية- مما جعله “مفصل” في النظام الرقمي.
و احتراقه كان أشبه بقطع شريان رئيسي في جسد الشبكة الوطنية.
ورغم وجود ١٥٠٠ سنترال حسبما هو منشور ايضا من تصريحات رسمية تشكل مسارات بديلة للاتصالات في مصر، إلا أن الكثافة والتنوع اللازمين لامتصاص صدمة فقدان مركز بحجم وتأثير سنترال رمسيس لم يكونا كافيين حيث كشفت السرعة والمدى الواسع للانقطاع عن فجوة كبيرة.
ولكن الحق يقال أثبتت جهود استعادة الخدمة، التي استغرقت ساعات طويلة وشهدت عمليات مضنية لنشر كابلات مؤقتة وإعادة توجيه حركة البيانات، وجود كفاءات فنية قادرة على العمل تحت الضغط.
ومع ذلك، فإن حاجة مصر لهذه الجهود الجبارة أصلاً تطرح سؤالاً عن مدى استباقية خطط الطوارئ والاستثمار فيه خاصة ان مصر تسعى مصر بجدية، عبر مبادرة “مصر الرقمية”، لبناء بنية تحتية رقمية متطورة تدعم التحول الرقمي الشامل في الخدمات الحكومية والاقتصاد والمجتمع. وقد تم إحراز تقدم ملموس وقوي في الفترة الاخيرة.. من حيث توسيع نطاق تغطية الألياف البصرية لتحسين سرعة وجودة الإنترنت.
ونشر شبكات الجيل الرابع والتحضير للخامس الذي انطلق تجريبيا
واستضافة الخدمات السحابية والمحتوى المحلي.
لكن حادث سنترال رمسيس يذكرنا بأن الجاهزية الحقيقية تتجاوز التوسع الأفقي لتشمل قدرة الشبكة على الاستمرار في العمل أو استعادة الخدمة بسرعة فائقة عند تعرض جزء حيوي للخطر.
وهذا يتطلب استثمارات ضخمة في بنية تحتية متعددة المسارات و شبكة معقدة من الكابلات والمسارات البديلة بحيث لا يعتمد أي جزء حاسم على مسار أو موقع وحيد.
وبنية تحتية لامركزية و تقليل الاعتماد على عدد قليل من المراكز العملاقة “الفائقة” او” الميجا هب” مثل سنترال رمسيس، ونشر مراكز توزيع أصغر وأكثر انتشاراً جغرافيا. وخطط طوارئ مفصلة وتدريبات محاكاة للتأكد من جاهزية الفرق والأنظمة البديلة عند الحاجة” وكأنك في مشروع حرب” .. وان كانت اثبتت كفاءة في هذه الحادثة
كما يجب الاهتمام بما يعرف بالأمن المادي وهو تعزيز إجراءات الحماية المادية للمراكز الحيوية من الحرائق والكوارث الطبيعية والأعطال الفنية.
ولابد أن نتذكر ان الاستثمار المستمر في البنية الرقمية ليست مشروعاً يُنجز وينتهي، بل تحتاج لتحديث وصيانة واستثمار مستمر لمواكبة الطلب المتزايد ومواجهة التهديدات المتطورة.
ويجب ان نعترف ان استعادة الخدمة، في حدود 24 ساعة رغم بطئها النسبي بالنسبة للمستخدمين المتضررين، إنجازاً هندسياً وتنظيمياً يُحسب لفرق العمل في وزارة الاتصالات والشركاء في شركات الاتصالات والجهات المنظمة.
لكنها كانت حلولاً مؤقتة لسد ثغرة طارئة، وليست تعويضاً عن بنية أساسية قادرة على الصمود.
الدرس الأهم هو أن تكلفة بناء الصمود والمرونة قبل وقوع الكارثة رغم ضخامتها، هي دائماً أقل بكثير من التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للانقطاع الواسع النطاق.
يجب أن يكون حادث سنترال رمسيس جرس إنذار صارخاً يحول مسار التفكير من الرد على الأزمات إلى منعها
بقلم/ شارل فؤاد المصري
كاتب وصحفي وباحث في السياسة الدولية
عضو مؤسس شعبة صحفي الاتصالات بنقابة الصحفيين المصريين
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى