مقالات

حسن السكري يكتب لـICTBUSINESS : مصر تقود الثورة الرقمية الصحية

في العقد الأخير، أصبح من الواضح أن البنية التحتية الرقمية لم تعد ترفًا، بل شرطًا أساسيًا لبقاء الدول في سباق الاقتصاد العالمي. وبينما تتسابق الدول على الاستثمار في الجيل الخامس (5G)، ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي (AI Data Centers)، والحوسبة الطرفية (Edge Computing)، تمتلك مصر مزيجًا نادرًا من الموارد البشرية المتميزة والخبرة التقنية العميقة، يجعلها مؤهلة لتصبح مركزًا إقليميًا لهذه الثورة.

التقاطع بين الطب والتقنية

في مشغل خدمة صحية تكنولوجية، قد يبدأ المشهد بمريض في العناية المركزة، موصول بأجهزة مراقبة حيوية. هنا، تقوم أجهزة الحوسبة الطرفية بمعالجة البيانات على الفور، في موقع المستشفى نفسه، دون الحاجة لإرسالها إلى مراكز بيانات بعيدة. وبفضل اتصال 5G، تصل هذه القراءات إلى الطبيب أو فريق الاستجابة في أقل من ثانية، فيما تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل النبض وضغط الدم والتنفس، والتنبؤ بأي تدهور محتمل قبل حدوثه.

هذا الدمج بين خبرة الكوادر الطبية وإبداع المهندسين ومحللي البيانات هو ما يصنع الفرق. فالمعادلة الجديدة لا تكتفي بإنقاذ الأرواح، بل تُحسّن جودة الخدمة وتخفض التكلفة التشغيلية.

الاقتصاد يقرأ مؤشرات التقنية

وفقًا لتقديرات ماكنزي، يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أن تولد قيمة اقتصادية تصل إلى 150 مليار دولار سنويًا بحلول 2026 على المستوى العالمي. ومع دمج الحوسبة الطرفية وتقنية الجيل الخامس، تتضاعف القدرة على خلق هذه القيمة، خصوصًا في أسواق تحتاج حلولًا سريعة وفعّالة مثل إفريقيا.

من الناحية الاستثمارية، دخول مصر في هذا المضمار يعني تحفيز سوق العمل، جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وتأسيس شركات ناشئة قادرة على تصدير حلولها خارج الحدود.

مصر كبوابة إفريقيا

الموقع الجغرافي لمصر، إلى جانب خبرتها في الطب والاتصالات والأمن السيبراني، يجعلها لاعبًا مثاليًا لقيادة تصدير الخدمات الصحية الرقمية إلى القارة الإفريقية. من التشخيص عن بُعد في نيروبي، إلى مراقبة المرضى في لاجوس، يمكن للشركات المصرية أن تقدم خدمات متكاملة بفضل قوة الربط بين الأكاديميا والصناعة.

الأمن السيبراني… صمام الأمان

مع انتقال البيانات الطبية عالية الحساسية عبر شبكات 5G، يصبح الأمن السيبراني غير قابل للتفاوض. بناء مراكز بيانات ذكاء اصطناعي داخل مصر، مزودة بأحدث تقنيات الحماية، يعني أن المعلومات تبقى تحت سيادة الدولة، وفي الوقت نفسه متاحة لمقدمي الخدمات بسرعة وأمان.

ثورة صحية… وأثر اقتصادي

الفرصة أمامنا ليست مجرد تحسين مستوى الرعاية الصحية، بل بناء سوق تصدير جديدة، حيث تتحول المستشفيات ومراكز الأبحاث المصرية إلى مصانع أفكار ومنتجات، تُباع وتُطبق في أسواق إفريقيا، مولدةً تدفقًا نقديًا جديدًا ومكانة دولية متقدمة.

الرسالة واضحة: عندما تتقاطع البنية التحتية الحديثة مع الكوادر المؤهلة والرؤية الاستراتيجية، لا تصبح مصر جزءًا من الثورة الرقمية فحسب، بل قاطرتها التي تعبر بالقارة الإفريقية إلى مستقبل أكثر صحة وازدهارًا.

 

 

 

بقلم م.حسن السكري

خبير الصحة الرقمية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى