تقارير

أسامة كمال.. مهندس الوعي التكنولوجي في مصر

تقرير يكتبه: محمد لطفي

قد يراه البعض إعلاميًا ناجحًا، أو منظم معارض بارعًا، لكن الحقيقة أن سر نجاح أسامة كمال يكمن في عقليته الاستراتيجية. فهو يدرك أن التكنولوجيا ليست هدفًا في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة. لذلك ظل على مدار 30 عامًا يحاول أن يربط بين الابتكار والتنمية، بين الإعلام وصناعة القرار، بين القطاع الخاص والدولة ، نجح في استشراف المستقبل منذ عام 1996 حينما بدأ قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يحبو نحو التكامل والتواصل مع القطاعات المختلفة فكان بصيص النور من “كايرو تيليكومب” معرض الاتصالات والتكنولوجيا والإعلام الذي انطلقت اولى دوراته في تسعينيات القرن الماضي وسبق تأسيس وزارة الاتصالات بثلاثة أعوام كاملة.

ففي عالمٍ لا يعترف إلا بالسبق، حيث تتحرك التكنولوجيا بسرعة الضوء، كان لا بد من شخصية ترى ما وراء الأفق، وتستشرف القادم قبل أن يطرق الأبواب. في مصر، حمل الإعلامي أسامة كمال هذا الدور؛ فلم يكن مجرد مقدم برامج، ولا مجرد اسم عابر في سجل الإعلام، بل صار رمزًا رياديًا ارتبط اسمه بميلاد أول منصة تكنولوجية متكاملة في المنطقة، منصة صنعت وعيًا جديدًا، وفرضت التكنولوجيا كأولوية وطنية ، نجح في ان يضع معرضه في مصاف المعارض الكبرى المتخصصة وظل يقاتل ويقاتل الى ان وصل الى الصفوف الاولى في الوقت الذي فرت بعض المعارض والمنتديات من الاراضي المصرية ظل كمال يدافع ويكافح في ارض وطنه الى أن تم وضع مصر على خريطة العالم التكنولوجية بفضل “كايرو أي سي تي ” الذي أصبح على أجندة التنفيذيين من الشركات العالمية الذين يقومون بزيارته من كل صوب وحدب.

اسامة كمال

النشأة والبدايات

وُلدت تجربة أسامة كمال من رحم الإعلام، لكنه سرعان ما تجاوز حدود المهنة التقليدية. فقد آمن مبكرًا بأن الكلمة وحدها لا تكفي، وأن الدور الحقيقي للإعلامي يكمن في خلق مساحات للفعل، لا الاكتفاء بالتنظير.
في منتصف التسعينيات، كانت مصر تعيش مخاض التحول الاقتصادي والانفتاح على العولمة. التكنولوجيا وقتها لم تكن سوى فكرة بعيدة؛ الإنترنت بالكاد يتسلل إلى الجامعات، والمحمول ما زال حكرًا على قلة، والحاسوب الشخصي يرمز إلى الرفاهية.
وسط هذا المشهد، تجرأ كمال على حلم بدا للكثيرين ضربًا من الخيال: إقامة أول معرض تقني شامل في مصر( مع عدم وجود أب شرعي لقطاع الاتصالات والتكنولوجيا في مصر سوى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري )  لم يرَ فيه مجرد حدث تجاري لعرض الأجهزة، بل تخيل منصة وطنية للحوار، ومنبرًا يجمع صناع القرار بالخبراء، ورجال الأعمال بالشباب، والحكومة بالشركات العالمية.
لقد قرأ مبكرًا أن المستقبل يُبنى على المعلومة، وأن العالم يدخل عصرًا جديدًا لا مكان فيه إلا لمن يملك أدوات التكنولوجيا.

كسر الحواجز: من فكرة إلى مؤسسة

لم تكن البدايات سهلة؛ فالتشكيك كان سيد الموقف. من يراهن على نجاح معرض تكنولوجي في بلد لا يعرف بعد الإنترنت على نطاق واسع؟ من يضمن أن الشركات العالمية ستأتي إلى القاهرة؟ من يقنع الحكومة أن التكنولوجيا قضية وطنية؟
لكن أسامة كمال، بصلابته وإيمانه وعلاقاته الممتدة والثقة التي تيمتع بها لدى الحكوميين، استطاع أن يذلل العقبات. استخدم شبكة علاقاته الواسعة، محليًا ودوليًا، ليجذب الشركاء. أقنع شركات الاتصالات الناشئة آنذاك، وجذب عمالقة عالميين، وفتح أبواب المعرض للحكومة المصرية لتكون جزءًا من الحدث لا مجرد راعٍ له.
وهكذا، لم يكن Cairo ICT مجرد فكرة نجحت، بل صار مؤسسة قائمة بذاتها، تُبنى عليها استراتيجيات الدولة في التحول الرقمي، ويُطلق منها عشرات المبادرات التي غيّرت وجه المجتمع المصري.

استقطاب الحكومة والقيادة السياسية

أحد أعظم إنجازات أسامة كمال أنه لم يترك المعرض حبيس القطاع الخاص أو الشركات، بل أدخله إلى قلب الدولة. فقد نجح في استقطاب الحكومات المتعاقبة للمشاركة الفاعلة، حتى صار Cairo ICT  منصة رسمية لإطلاق المشروعات القومية ، شرف المعرض بزيارة للرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك في عام 2002 والذي أطلقه فيه مبادرة الانترنت المجاني ، وإيمانا من الدولة المصرية بأهمية هذا القطاع الواعد ظل لسنوات وسنوات على أجندة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي شرف المعرض بزيارته له في عام 2015 وتوالت الافتتاحات وحضور الرئيس واطلاق المبادرات الى وقتنا الحالي ، منها على سبيل العد لا الحصر مبادرة الإنترنت المجاني، إلى مشروع حاسب لكل بيت، إلى إطلاق خدمات الجيل الثالث للمحمول، كلها محطات رأت النور عبر المعرض. هنا، لم يعد الحدث مجرد معرض، بل تحول إلى مطبخ للسياسات الرقمية، حيث تتلاقى الحكومة والشركات والمجتمع المدني لصياغة مستقبل مشترك ، علاوة على اطلاق مبادرة تصنيع الإلكترونيات و مشروع بوابة التأشيرة الإلكترونية السياحية المصرية وغيرها من المشروعات .

ولأن الحدث ينعقد سنويًا بانتظام منذ 29 عامًا، فقد بات بمثابة بارومتر لقياس توجهات الدولة في مجال التكنولوجيا، حيث حرصت القيادة السياسية، في عصور مختلفة، على الحضور أو إرسال ممثلين رفيعي المستوى، ما منح المعرض شرعية سياسية، وأكد مكانته كحدث لا يمكن تجاوزه.

منصة عابرة للقطاعات

لم يكتفِ كمال بتركيز المعرض على التكنولوجيا الصرفة، بل جعله ساحة تكاملية تربط الاتصالات بمجالات أخرى. أدرك مبكرًا أن التكنولوجيا لا تعيش في عزلة، بل تتغلغل في الاقتصاد كله. وهكذا، أطلق أجنحة وفعاليات متخصصة:

  • PAFIX: دمج التكنولوجيا بالقطاع المالي والمصرفي، ليكون المعرض أول منبر للشمول المالي والتحول الرقمي في البنوك.
  • AIDC²: منصة للبنية التحتية ومراكز البيانات، حيث تلتقي الشركات العالمية والمحلية لمناقشة أحدث حلول الحوسبة والتخزين السحابي والذكاء الاصطناعي.
  • Connecta: مساحة لتمكين الشباب ورواد الأعمال، ليجدوا فرصًا للتواصل مع المستثمرين والشركات الكبرى.
    بهذا، صار المعرض أكثر من مجرد تظاهرة تقنية؛ صار مخططًا استراتيجيًا للتكامل القطاعي، يربط الابتكار بالتنفيذ، ويحوّل الرؤى إلى مشروعات واقعية.

بصمة إعلامية لا تُمحى

رغم انشغاله بتنظيم وإدارة المعرض، لم يتخل أسامة كمال عن هويته الإعلامية. بل على العكس، صاغ لنفسه مكانة مميزة كمقدم برامج قادر على الغوص في الملفات المعقدة وطرح الأسئلة الصعبة.
برامجه الحوارية لم تكن مجرد لقاءات بروتوكولية؛ بل مساحات للنقاش الحر، حيث يستضيف مسؤولين وخبراء ويضعهم أمام الجمهور. هذا المزيج بين الإعلام والتنظيم جعله صوتًا مسموعًا في الداخل والخارج، يجمع بين قوة الكلمة وفعالية الفعل.

البعد الإعلامي.. الكلمة التي تصنع القرار

أسامة كمال لم يكن منظم معارض فقط، بل إعلاميًا من الطراز الأول. لغته الإعلامية الثرية، قدرته على إدارة الحوار، ومعرفته الدقيقة بالتفاصيل التكنولوجية، جعلت منه صوتًا موثوقًا لدى صناع القرار والجمهور على حد سواء.
برامجه الحوارية لم تكتفِ بتناول السياسة أو الاقتصاد من زاوية سطحية، بل كان دائمًا يعيد ربطها بمحور أساسي: كيف تؤثر التكنولوجيا في كل ذلك؟ كيف نصنع تنمية رقمية تجعل من مصر لاعبًا إقليميًا؟

هذا الدمج بين الإعلام والتكنولوجيا، جعل له شبكة علاقات واسعة داخل مصر وخارجها: مع شركات الاتصالات العملاقة مثل فودافون، أورنج، اتصالات، والمصرية للاتصالات، ومع البنوك الكبرى، ومع المؤسسات الحكومية، وحتى مع المنظمات الإقليمية والدولية.

إرث يمتد عبر العقود

اليوم، وبعد قرابة ثلاثة عقود، يمكن القول بثقة إن أسامة كمال لم ينجح فقط في إقامة معرض، بل في صناعة إرث وطني. بفضل جهوده، صار Cairo ICT جزءًا من ذاكرة مصر الرقمية، شاهدًا على تحول الدولة من مستهلك للتكنولوجيا إلى ساعٍ نحو الإنتاج والابتكار.
لقد أثبت أن الفرد قادر، برؤية وإصرار، على أن يغير مسار أمة بأكملها. وإذا كان العالم يحتفي برواد مثل ستيف جوبز وبيل جيتس، فإن لمصر أيضًا روادها الذين كتبوا قصص نجاح محلية ذات أثر عالمي، وفي مقدمتهم أسامة كمال.لقد صنع من Cairo ICT منصة تحمل ملامح مصر المستقبلية، من التحول الرقمي إلى الشمول المالي، من الذكاء الاصطناعي إلى المدن الذكية. وفي قلب كل ذلك، يظل أسامة كمال، الإعلامي الذي تحول إلى مهندس للوعي التكنولوجي، شاهدًا على أن الإعلام حين يقترن بالرؤية الاستراتيجية، يصبح قوة تغيير لا تُقهر.

 

 

صورة من دورة عام 2000 من معرض كايرو تليكومب
الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات الاسبق والمهندسة عزة تركي والمهندس عقيل بشير و حاتم حلمي في دورة المعرض عام 2002
كلمة الدكتور ماجد عثمان وزير الاتصالات الاسبق في دورة عام 2011
د.ماجد عثمان وزير الاتصالات الاسبق يستمع لشرح من مسئولي شركة IBM خلال دورة معرض Cairo ICT عام 2011
المهندس عاطف حلمي وزير الاتصالات الاسبق وعدد من الوزراء في افتتاح فعاليات دورة عام 2014 من معرض Cairo ICT

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى