مقالات

د. محمد سالم يكتب لـ ICTbusiness: الوضع الطبيعي الجديد والتعليم العالي فى مصر

تزايدت الدعوات فى السنوات الأخيرة لإصلاح  منظومة التعليم العالى فى مصر، وتباينت الآراء بين متشائم يرى أنه ليس هناك أمل فى أى إصلاح، ومتفائل يرى أن التعليم العالى اليوم فى أفضل وضع لتقبل هذا الإصلاح باستخدام وسائل وإمكانيات تكنولوجيا المعلومات. فالعالم ارتبط ببعضه وأصبحت المعرفة متاحة للجميع  وأصبح من السهل الوصول إليها من أى مكان،  وبدأت عمليات الإصلاح فردية ومتناثرة على مستوى الجامعات ونجح القليل ولم ينجح الكثير. واستمر الحال هكذا حتى داهمنا الكوفيد وأغلقت الجامعات أبوابها، وفُرض على العالم “الوضع الطبيعى الجديد The New Normal” الذى سرعان ما وُضعت له القواعد وسُنَّت له القوانين وأُجبر الجميع على التكيّف معها وأصبح لزاماً على التعليم العالى أن يستوعب بسرعة هذا الوضع ويحسب بدقة مدى تأثيره عليه. وتعَّين على الطلبة أن يتلقوا ما تبقى من مقررات العام الدراسى من المنزل، وأن يدرّس الأستاذ المحاضرة “أون لاين”، وأن يقوم الموظف الإدارى بمتابعة كل ذلك عن طريق الإنترنت. وتوالت المطالب الجديدة، فالجميع يريد نطاقاً عريضاً أوسع، وسرعة أكبر لتبادل المعلومات، والكليات بدأت تبحث عن المتوفر من المحتوى العلمى الذى يمكن بثه على شبكة الاتصالات، ورحب الجيل الجديد من أعضاء هيئة التدريس بهذا التوجه، وعارضه نسبة ليست بالقليلة من الأساتذه القدامى، ولكن رضخ الجميع للقواعد الجديدة وتسابقوا فى تنفيذ خطط التحول الرقمى.

لقد بدأ الجميع فىى الانتباه إلى مطالب السوق الجديدة، والتى لم تعد بالتأكيد تقتصر على شهادة التخرج حتى ولو كان التقدير الذى يزينها هو الامتياز. فالشركات لا تحتاج إلى الحصول على المعلومات من أحد لأن المعلومات متوفرة على شبكة الإنترنت ونستطيع الحصول على أىٍ منها فى دقائق باستخدام تطبيق جوجل، الذى وعد مؤسسه  لارى بيدج بأن سرعة البحث سوف تنخفض إلى ثوان عندما صرَّح بالقول”سيكون الذكاء الاصطناعي هو الإصدار النهائى لجوجل، فمحرك البحث سوف يفهم بالضبط ما الذى تبحث عنه، سوف يمكنه فهم السؤال الذي تطرحه بشكل أفضل مما تفعله، والعثور على المعلومات المناسبة تماماً لك على الفور”.  

فى خلال السنوات الخمس القادمة سوف تختفى 75 مليون وظيفة تقليدية وتنشأ 133 مليون وظيفة جديدة. وكما يتغير مضمون الوظائف تتغير أيضاً القواعد الخاصة بالعمل فلقد بدأت الشركات من منتصف العام الماضى، تطلب من العاملين فيها أن يستمروا فى العمل من المنزل إذا رغبوا فى ذلك مثل  شركتى تويتر وفيس بوك. 

إن الشركات تريد الآن خريجاً يفهم متطلبات العصر الرقمى وقادر على تنفيذها: مثل تقنيات اكتساب المعرفة وحل المشكلات وتحليلها، والإبداع والابتكار وريادة الأعمال،والمهارات الرقمية الفنية والتقنية والشخصية بالإضافة لمهارة البحث عن المعلومات واختيارها ومعالجتها وتقييمها. تريد الشركات أيضاً من خريج الجامعة أن يكون قادرًا على التعلم بشكل مستقل مدى الحياة ولديه مهارات الانخراط فى العمل الجماعى والتكيف الثقافي. وهذا ما تم تأكيده فى اجتماع المنتدى الاقتصادى العالمى (دافوس) فى يناير 2020 بالقول: “العالم فى حاجة إلى ثورة لإعادة غرس المهارات. فكل 9 من أصل 10 وظائف ستتطلب مهارات رقمية، وستستمر المهارات التقنية في الهيمنة على وظائف الغد، وسوف تظل المهارات البشرية والشخصية مطلب رئيسى”.

على الجانب الآخر لابد أن يتعاون الجميع لدعم هذا التغيير وضمان نجاحه. فالجامعات عليها أن تتبنى مفهوم “الجامعة الذكية” بأعمدتها الثلاثة: التعلم الذكى، الحوكمة الذكية، والحرم الجامعى الذكى. وأصحاب المصلحة الرئيسيون: المعلمون، والدارسون، والموظفون عليهم تَقبُّل النظام الجديد. وعلى اللاعبين الرئيسيين من خارج الجامعة أن يبذلوا أقصى جهدهم  للمساعدة فى إنجاح النظام الجديد،فالحكومة عليها أن تدعم البحث العلمى، والبنية التحتية للاتصالات، وتعيد النظر فى قوانين وتشريعات التعيينات، والترقيات، والعديد من اللوائح التى تعدى عمرها عشرات السنين ولم يثبت نجاحها. ومن جهة ثالثة على الصناعة وقطاع الأعمال أن ينخرطا أكثر فى منظومة التعليم الجامعى: وذلك بخلق  فرص العمل وتمويل الأبحاث وتنفيذ برامج التدريب المهنى. أما المجتمع فعليه أن يكون له الدور الأساسى فى الدعم العينى والمادى للتعليم العالى سواء بالوقف أو الهبات أو خلاف ذلك، فجميع الجامعات العالمية يشكل الدعم المالى الذى يأتيها من المجتمع ورابطات الخريجين نسبة كبيرة من ميزانياتها، ويكفى أن نعرف أن حجم أموال الوقف فى جامعة هارفارد تعدى الأربعين بليوناً من الدولارات.

وأما الأساتذة فعليهم أن يقتنعوا بهذا التغيير ويشجعوا التدريب عليه، وأن تكون علاقتهم بالصناعة وثيقة، عليهم تطوير معلوماتهم باستمرار واستخدام تقنيات تكنولوجيا المعلومات، والأهم من كل ذلك أن يتقبلوا ويفهموا بل ويقدّروا الجيل الجديد الذى يتعين عليه بدوره أن يتعلم تقنيات الحصول على المعلومات والقدرة على التعلم المستقل وأن يركز على موضوعات الإبداع والريادة وتقنيات حل المشكلات، وأخيراً يتوجب عليه العمل على تنمية مهاراته الرقمية والفنية والشخصية.

إن الإنسانيات والعلوم الاجتماعية لابد أن تضاف كمواد علمية تدَّرس لكل من هو داخل منظومة التعليم الجامعى، مع غرس العادات الثقافية والأخلاقية فى عقول الدراسين مثل التفاعل بين الإنسان والإنسان، والتعايش مع الغير، وقبول مبدأ الحق فى الاختلاف.

وأخيراً، لابد أن تكون هناك أساسيات مستقرة ودائمة مثل مبدأ نقل المعرفة من أصحابها أى الأستاذة الكبار، وأيضاً مهما تبدلت الأنظمة وتحولت أساليب التعليم العالى وتغيرت فلا يمكن أن نسمح لأحد بأن يجعلنا ننسى ملمس الورق ورائحة الكتب.

 

 

                             بقلم/   د. محمد سالم

وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق

                        

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى